نظرياً توافرت لاتفاق السويد عناصر النجاح اللازمة لتنفيذه عمليا بما في ذلك قرار مجلس الأمن ، كما أن الظروف الموضوعية التي أحاطت الاتفاق كانت تقتضي إنجاز مرحلة التنفيذ ، ثم التوصل إلى توافقات مبدئية حول الحل السياسي قبيل عقد جولة تفاوضية ثانية، بيد أن جملة من الخطايا وقع فيها مارتن غريفيث أفرغت الاتفاق عن مضامينه ، وأعادت الخلافات مجملة ومفصلة إلى ما قبل السويد.
الخطيئة الأولى والتي أطاحت باتفاق الحديدة تمثلت بتعيين الهولندي باتريك كاميرت والذي أوصل رسائل سلبية منذ ما قبل وصوله إلى الحديدة ، تلا ذلك أداء منحاز وغير محايد تجاه خروقات العدوان ومرتزقته ، مستكملا مساره المنحرف بالانقلاب الكامل على آلية إعادة الانتشار المتوافق عليها ، مع تبنيه المطلق لآلية وضعها ممثلو المرتزقة لأنفسهم بعيد مغادرتهم الحديدة ورفضهم مواصلة العمل ضمن اللجنة المشتركة ، وهو ما يضع تفسيرا عمليا لما أُريد من العملية السياسية التي يقودها مارتن بشأن الحديدة!!
كان المبعوث الأممي نفسه في أمسِّ الحاجة إلى إنجاز مضمون واحد لاتفاق الحديدة ، على الأقل ليكسب به مصداقية تؤهله لطرح موضوعات لها صلة بالحل السياسي ، مع إبقاء موقفه تجاه المرتبات ومطار صنعاء كما بدأه متناغما مع مواقف المنظمات الإنسانية ، دون الترحيب المشرعن لمزيد من الحصار والإفقار والتجويع الجماعي ، ولا يمكن لمحاولاته اليوم بالقفز على اتفاق السويد ، إلى موضوعات أخرى أن تمنحه فرصة واحدة للنجاح ، بقدر ما تعيد انتاج الفشل السابق مجتمعا من جديد.
ما كشفته الأيام أن المبعوث الاممي،_ في حال أحسنا به ظنا_ عاجز عن تحويل اتفاق الحديدة إلى إجراءات عملية ، بل عاجز عن تفسير مضمون الاتفاق ذاته ، وهو يريد تجاوز معضلته بالقفز إلى جولة ثانية ، كمن يضع أساسات بنائه على أكوام من القش والمخلفات ويتطلع لعشرة أدوار عليها!
وفي الجانب الإنساني لم يستجدِ إلا مزيدا من إجراءات الحصار والتضييق لمسار بواخر النفط والغذاء المتجهة إلى ميناء الحديدة ، ما يبدو بأن الرجل اختار لنفسه المهمة “اللاإنسانية” من خلال إعفاء القتلة من تبعات جريمتهم في تجويع الملايين من البشر ، ووضع حد للمواقف المتضامنة مع الضحايا ، ويجب ألا نمنحه فرصة الذهاب نحو جولة أخرى قبل إنفاذ ما عليه ، ما لم فستكون مساعدة له في إنجاز مهمة قذرة عرف ويعرف بها موظفو الأمم المتحدة على عكس الشعارات والمكتوبات في وثائق المنظمة.
تلك خطايا المبعوث العشر وان لم تكن كذلك بالعدد لكنها تزيد عنها أهمية ، وبإمكاننا ان ننتزع حقنا لا بالوثوق بقوله بل بمعرفة طبيعة وأهداف ومرامي ما يسعى إليه.. والله من وراء القصد .