اتصلت بأحد أسر الشهداء للاطمئنان عليهم؛ فأجابتني طفلة صغيرة، وبينما تحدثني إذا سمعت ضوضاء أطفال في المنزل، مع أني أعلم أن المنزل في طابقه الثاني؛ ليس فيه إلا الأم وبناتها وجدتهم.. سألت عن سبب الضوضاء فأجابتني بصوتٍ مملوء بالفرحة والسعادة وقالت:
-لدينا عزومة واحتفال والبيت (ملان)؟
تساءلت في نفسي؛ أي عزومة وأي احتفال تقوم به الأم وبناتها!
سألتها ثانية:
-عزومة ماذا واحتفال (أيش)؟
أجابت وومضات ابتسامتها تلامس كلماتها وتطرب أذني وهي تقول:
-عزمنا على أمهات الشهداء وزوجاتهم وأطفالهم بمناسبة أسبوع الشهيد.
يا إلهي كم هزتني الكلمات على إيجازها، والجملة على قصرها، وكم تملكني شعور ممزوج بالفخر والخجل.. والانتماء والتقصير…
أسر الشهداء والجرحى تفخر بتقاسم القليل مع عائلات وأطفال الشهداء..
أي درسٍ أعظم من هذا، وأي منهج أقوَمُ من هذا..
وأي مجتمع، وأي جيل؛ تخرج لنا المسيرة المباركة…
هذا الدرس وغيره الآلاف من الدروس تدعونا أن نشعر بأسر الشهداء ونواسيهم، ونزرع الابتسامة على وجوههم، ونتفقد أحوالهم..لا يكفي أن ننظر إليهم بإعجاب واحترام وتقدير فإن ذلك هو أقل القليل…
بل الواجب طرق الأبواب وجلب ما نستطيع من ثياب، أو أغراض أو أموال..
يجب أن نقدم لهم ما نستطيع، وكل شيء نقدمه في حقهم قليل…
وألا نتكل على الدولة أو الجمعيات الخيرية أو المؤسسات..فكلنا مدعوون لتفقد الأسر الكريمة التي بذلت أغلى ما تملك؛ في سبيل أن تنام أنت وأنا بأمان وسلام..
تلفتوا يمينًا ويسارًا ستجدون أسرة شهيد، وأطفال شهيد، وأم شهيد، وزوجة شهيد، وأخت شهيد..ولا تنتظروا حتى يطرقوا أبوابكم؛ فإنهم أعزة كرماء وأماجد عظماء..
لا تتركوهم فريسة للحاجة والعوز، وقد قدموا فلذات أكبادهم..
لا تهملوهم وأنتم في ستر ويسر…
بحق الجوار وحق الوطن وحق الدين؛
تفقدوا عائلات الشهداء الأبرار وواسوهم بقدر استطاعتكم.