لم يكن مفاجئًا لكثير من أحرار شعبنا اليمني الإيماني ظهورُ ممثِّل شلة الفنادق متوسّطا للأمريكي والصهيوني، لكن الذي فاجأ المرتزقةَ وأسيادَهم من عربان الخليج، والأمريكان والصهاينة خروجُ الشعب اليمني في كلِّ مكانٍ طاهر فيه، بأعداد مهولة، وبحماس منقطع النظير، وكأنما نشطوا من عقال، يبرأون إلى الله من أولئك الخونة، ومواقفهم واصطفافاتهم الصهيونية، بشكلٍ أجْزِمُ أنهم سيلعن بعضُهم بعضا بما تجرّأوا عليه وأبدوا ما أخفوه زمانا.
كان الكثيرُ من أبناء شعبنا البطل يُدرِكُ أنّ العدوانّ عليهم هو عدوانٌ أمريكي صهيوني في الدرجة الأولى، وكان في كلّ مرة يتجدَّد شاهد بيِّنٌ وقطعي على ذلك، وأخيرا اقتنع المرتزقة وأذناب أمريكا في الخليج أنه قد آن الأوان لإظهارِ جسارتهم في مواقعة معصية التولِّي العلني لليهود والنصارى المعتدين بشكلٍ ظاهر، مُقْتَفِين شاعرًا خليعًا، قال ذات مرة: (وفاز باللذة الجسور).
هذان الحدثان حدث الخونة في وارسو، وخروج الأحرار في اليمن سيضعان قوالب وملامح الصراع في الفترة القادمة بشكلٍ واضح وعلني؛ لأنهما عبّرا بشكل واضح عن طبيعة الصراع القائم، بحيث لا يبقى مكانا في هذا الصراع لمحايد، ولا لملتبس، فإما أن يكون مع الأحرار قولا وفعلا، وإما أن يكون في صف المشروع اليهودي النصراني المبني على نقيض الإسلام ومضادته والحرب عليه.
الصهاينة في محافل عديدة كانوا يتأبّطون على الأقلّ 3 وزراء خلايجة، السعودي، والبحريني، والإماراتي، ولكنهم في هذه المرة الأخيرة أضافوا خنزيرا رابعا لهم؛ ليس لأهمية الكلب في نفسه، ولكن لأهمية المكان (اليمن) الذي أرادوه أن يكون نابحا حوله.
غير أن الجمهور الأكبر من اليمنيين ومن خلال ذكائهم المشهود، وثقافتهم القرآنية، وتاريخهم النضالي، وأهليتهم الإيمانية، أدركوا طبيعة الصراع من أول يوم؛ انطلاقا من ثقافتهم القرآنية، وثوابتهم الدينية؛ لهذا لم يفاجئهم ظهورُ الخنزير الرابع؛ لأن المنطقي أنّ من فرّط في دينه، وأرضه، وبلده، وأهله، ودل عليه، وحرّض على قتلهم، ومضى في ركاب المعتدين على بلده، وهم يهلكون الحرث والنسل، فإنه لا يجوز أن يُنتَظَر منه أن يكون مؤتمَنًا على قضايا الأمة، والدين، والأقصى الشريف.
اليمنيون بخروجهم بتلك الأعداد الملايينية بالأمس، وبصورة غير مسبوقة في جميع المحافظات، إنما أثبتوا ما قاله الإسلام عنهم قبل ألفٍ وأربع مئة سنة، ولم يأتوا بشيء جديد.
لما نهى الله عن موالاة اليهود والنصارى، واعتبر ذلك انخلاعًا عن الدين، وانتماء إليهم، أشار بأن هناك حالات نفاقية وخيانية ستحْدُث، وأنه حينها سيأتي اللهُ بقومٍ مجاهدين لا يخافون في الله لومة لائم، قالت الروايات المتكاثرة إنها نزلت في أهل اليمن، أهل اليمن الذين وصفهم الإسلام أيضا في حديث الرسول الكريم بأنهم (أهل الإيمان والحكمة)، وليس غريبا أن يضع الإسلام أهلَ اليمن باعتبارهم ممثِّلين للهُوِيّة الإيمانية، في مقابل المُمَثِّلين للهُوِيَّة الشيطانية، أتباع قرن الشيطان، وقد رفض رسول الله في ذلك الحديث الشهير الدعاء لنجد، قرن الشيطان، باعتبارها رأس حربة الكفر الأمريكي والصهيوني، في الوقت الذي دعا فيه بالبركة لليمن والشام، أهم بلدين سيواجهان هذا المشروع، بل ليس غريبا علينا اليوم أن يُخبرَنا الإسلام أن رسول الله في يومٍ من الأيام أخبر في حديثٍ قصير جدا بأن (الإيمان يمان والفتنة من هاهنا حيث يطلع قرن الشيطان)، وفي حديث آخر (رأس الكفر نحو المشرق)، وأشار بيده إلى نجد.
كل ذلك يشير إلى المعركة القائمة، التي أثبتَتْ نجدُ (الشيطانية) وأذنابُها المرتزقة باعتبارها رأس حربة للكفر الأمريكي والصهيوني، إعجازًا نبويا جديدا، لا يمكن أن نجده مذكورا لدى أمثال الشيخ الزنداني ممن حملوا العقيدة الوهابية، والتحق بفسطاط الهُوِيَّة الشيطانية، لكننا نجده لدى كل اليمنيين الأحرار الذين تدفَّقوا على الساحات في كل محافظة، ليثبتوا مجددا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن (ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى).
لقد سجل التاريخ لتوِّه بأن يوما من أيام الله أثبت فيه اليمنيون أنهم أهلُ الإيمان والحكمة، ولم لا وهم كلما أظهرَ النفاقُ قرونه، زأروا أسودا، وصاحوا: هنا اليمن الإيماني، والإيمان اليماني..
هذه المرّة أراد الشياطينُ ظهورَ خنزيرهم الرابع للإيحاء بما وصلوا إليه في مسار التطبيع، حتى يقولوا للشعب الذين يقصفونه خشية من خطره على مشاريعهم: هذا (يمانيكم) هنا، فأجابوا: كلا، بل هو خنزيركم الرابع، ونحن هنا لا نريدها إلا إيمانا صحيحا، وموقفا صريحا، فأسفر الصبح بهم حُراسا للإيمان، وجنودا لله، وروادا للأمة، يقفون بها في عرفات الدين، ويسعون قبلها لرجم الشياطين، ويتصدون لفلول المسارعين إلى تولي اليهود والنصارى المعتدين ..
إن هذا يعني أن الصراع وصل إلى مرحلة لم تعد تحتمل اللبس، والاشتباه، والشك، والتردد، وأن على كل من يعاني من رخاوة في الوعي، وضمور في الدين، وهزال في الموقف، أن يختار أحد الطريقين، إما مع أهل الإيمان، أو أهل الشيطان، فلا إمكانية لوجود طريق أو خيار ثالث، إنه الكفر والنفاق في فسطاط أهل الشيطان، أو الإيمان في فساط أهل الإيمان.
ليست القضية قضية خنزيرهم الرابع شخصيا؛ بل هي قضية كل من يمثلهم، من أدعياء الإسلام من إخوان اليمن، الذين لا يثبتون على موقفٍ واحد، ولا يصبِرون على طعام واحد، فمبدؤهم فقط مصالحهم الذاتية والأنانية، وأثبت حدث هذا الخنزير أنهم بإمكانهم أن يتحالفوا مع الصهاينة ضد شعبهم، كما أثبت أن أدعياء اليسار، ليسوا حراسا للنضال، ولا للقومية، ولا للعروبة، ولا لفلسطين وأقصاها الشريف.
والخلاصة أن الخنزير الرابع أسقط أقنعةً كثيرة، وأقام الحجة على آخرين، ووثَّق مرحلة خطيرة من تاريخ الأمة عموما، واليمن خصوصا، وأن الشعب اليمني أسقط رهانات أصحاب المشروع الصهيوني الأمريكي، وهذا ما سيكون له آثاره الحتمية على المستقبل المنظور.