استطاعت المقاومة المسلحة أن تعيد قضية فلسطين إلى محور الاهتمام بعد أن كان النسيان أساسا بسبب المكر اليهودي والأمريكي الذي استطاع أن يتجاوز القوانين والمواثيق الدولية لصالح دعم الاحتلال وتهجير الفلسطينيين وتسويغ قتلهم وإبادتهم تحت دعاوى مواجهة الإرهاب، المجتمع الدولي وبسبب السيطرة عليه بالقوة والترغيب ومنذ الاعتراف بالكيان الإسرائيلي بموجب قرار التقسيم لأرض فلسطين وهو يصدر القرارات المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني على أرضه ولم تكن المشكلة في القانون اطلاقا، حتى الذين ذهبوا لمقارعة الصهاينة والداعمين لهم استنادا إلى القانون الدولي أو المواثيق والعهود المتعارف عليها لم يقابلهم الصهاينة بالقانون بل من خلال منطق القوة لا غير، ويستندون إلى التوراة التي تنص على أن “أرضك بإسرائيل من الفرات إلى النيل” إضافة إلى أن فلسطين هي أرض الميعاد، أما العرب فقد اعتمدوا على الداعمين الأساسيين للصهاينة وذهبوا للتمسك بوعودهم – فقبل وعد بلفور وقرار التقسيم أصدر نابليون بونابرت في القرن الثامن عشر مرسوما باعتباره القائد الأعلى للقوات الفرنسية على إفريقيا ينادي الإسرائيليين إلى الإسراع في استعادة حقوقهم في فلسطين، وأنهم الورثة الفعليون، وقصد من ذلك كسب ولائهم ومواجهة الاطماع البريطانية الراغبة في استعمار فلسطين، وأيضا لمساعدته على مواجهة الإمبراطورية العثمانية، وطرحت بريطانيا مقترحا لتوطين اليهود في أوغندا، وكان هناك رأي توطينهم في الأرجنتين، فقد كانوا يشكلون عبئا على الدول الأوروبية مما جعلهم يتعرضون للتنكيل والاضطهاد هناك.
بريطانيا سيطرت على فلسطين ومصر، وفرنسا سوريا ولبنان، وكان الشريف حسين يحكم الأردن ومكة والمدينة.. فوعدته أن ساعدها في مواجهة العثمانيين أن نتوجه ملكا على الجزيرة العربية، وفت بريطانيا لليهود وتنكرت له، وجاء قرار التقسيم من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (181) 1947م إلى دولتين- (عربية ويهودية) وتدويل مدينة القدس بأغلبية (33) عضوا، ومعارضة (13) عضوا، وامتناع (عشر أعضاء) وكانت القوة هي الأساس في إثبات الحق، لا العدالة لا نصوص القانون، فالقوات البريطانية تحركت مع العصابات الصهيونية وبدأت بممارسة التهجير والقتل للمدنيين العزل، وسمحت باعتبارها سلطة انتداب باستقبال اليهود من كل أنحاء العالم بواسطة السفن العملاقة حتى تجاوز عددهم ثلث سكان فلسطين والعجيب ان القرار منحهم 55 % من مساحة فلسطين وأعطى للفلسطينيين الذين يشكلون ثلثي السكان 44.9 % من المساحة دون الضفة الغربية وقطاع غزة.
نظم علماء فلسطين أنفسهم والمجاهدون في كتائب مقاومة للاحتلال البريطاني وقاموا بأكثر من ثورة منها ثورة الشهيد عز الدين القسام وثورة الشهيد عبدالقادر الحسيني وغيرهم وطالبوا بالاستقلال ومنع الهجرات اليهودية إلى فلسطين، لكن الخذلان والخيانات أدت إلى فشل كل تلك الثورات والانتفاضات ضد الإنجليز، وهو ذات الأمر الذي مكن الصهاينة من احتلال الأراضي العربية في حرب 1948م فتم تشريد أكثر من مليون فلسطيني إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وفقا لإحصائيات الأمم المتحدة خلافا لمن استشهدوا أو غادروا إلى دول الجوار هربا من إجرام العصابات الصهيونية من عصابات الهاجانا، ومشيترن، وهذه الأخيرة اغتالت ممثل الأمم المتحدة الذي قدم مقترحا لوقف الحرب وإقامة هدنة بين الطرفين.
اغدق الحلف الصليبي المساعدات العسكرية وغيرها على الكيان الصهيوني وشنوا معه حرب تحطيم الجيش المصري في العدوان الثلاثي 1956م وزادت معاناة الفلسطينيين بسبب ذلك، واستطاعوا تشريد أكثر من مليوني فلسطيني إلى خارج فلسطين، واستعادت مصر سيناء في حرب 1973م لكن الحلف الصليبي لم يسمح بذلك أن تستفيد مصر من نصرها بل حوله إلى هزيمة، وتحول الشعب الفلسطيني إلى مشرد ولاجئ فهناك ما يزيد على أربعة ملايين في الدول العربية.
واليوم أعطت الجمعية العامة قرارها بمنح السلطة الفلسطينية العضوية الكاملة في الأمم المتحدة بموافقه (143) دولة وامتناع (25) دولة، ومعارضة (9) دول والمسافة بين قرار التقسيم والعضوية الكاملة (77) سنة، تم خلال تلك السنوات اغتيال قيادات العمل الجهادي للفصائل المقاومة، وفرض التطبيع مع الكيان الصهيوني والدخول في شراكة اقتصادية وسياسية لمواجهة الحركات الجهادية وتدميرها من خلال التنسيق الأمني بين الصهاينة وصهاينة العرب.
فإذا كان الاعتراف يعطي الفلسطينيين حقوقا كاملة في إقامة دولة كاملة السيادة، وتقرير المصير، وحق السلام وكل الحقوق الاقتصادية والقانونية وغيرها فإن الكيان الصهيوني لا يحتكم سوى للقوة والإجرام، فيها هو يقوم بإبادة الأشقاء على أرض غزة، ويرتكب أبشع جرائم الفصل العنصري والجرائم ضد الإنسانية، وسط مباركة ودعم وتأييد الحلف الصهيوني الصليبي، وصهاينة العرب يمدونهم بالسلاح والمؤن ويساندونهم في المواقف السياسية وغيرها، ومن خلال الجسور البرية والجوية حتى أن الرحلات الأسبوعية من مطارات الإمارات إلى اليهود وصلت إلى (152) طائرة أسبوعيا، بعد أن أغلق اليمن باب المندب أمام السفن الإسرائيلية، وعدم جدوى الجسر البري.
ميثاق الأمم المتحدة والعهود الدولية للحقوق السياسية والمدينة تقرر حق الشعوب في تقرير مصيرها، فهل سترضى السلطة الفلسطينية تنفيذ تقرير المصير بعد أن دخلت في مفاوضات سرية وعلنية تحولت من ممثل الشعب الفلسطيني إلى سلطة أمنية بيد سلطات الاحتلال تحارب كل الحركات الجهادية، وتقوم بدور الشرطي ويستنجد رئيسيها بسلطات الاحتلال لحمايته، من حركات المقاومة ويدعو المجتمع الدولي لمساعدته على تحطيم كل حركات المقاومة.
صحيح أن الحصار المفروض على العمل الجهادي مفروض من قبل الجيوش العربية خاصة دول الطوق لكن الاعتماد على النفس والاستعانة بالمساندين لقضايا التحرر كفيل يتجاوز ذلك، وهو ما كان في دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للجهاد والقسام، وهو العمل الذي أثمر تحطيم أسطورة الصهاينة والمتحالفين معهم، وجعل الأحرار في أمريكا ذاتها من الحركات الطلابية والمتعلمين يقفون يعكس الاتجاه الذي اختاره صهاينة أمريكا، وإذا كان بايدن يقول “لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان على أمريكا إيجادها” لأنها تمثل الأداة الرئيسية والذراع المتقدمة لأمريكا في الشرق الأوسط وإفريقيا، فإن نتنياهو يؤكد إنه يملك مجلس الشيوخ والكونجرس، ولديه لوبي قوي إلى جانبه لدينا تأثير قوي على الدعم العام، أمريكا لن تجبرنا على فعل أي شيء بل سنجبرها”، أما صهاينة العرب فهم لا يحتاجون إلى إجبار فمن يستطيع إجبار أمريكا سيحطم العالم، ما بالك بالإبادة للملايين وتشريدهم من أرضهم، وأيضا لأن زعماء وصهاينة العرب هم صنيعة أمريكا واللوبي اليهودي ولا يخرجون عن سياسة الكيان الصهيوني سرا ولا علانية.
*نقلا عن :الثورة نت