منذ سار اليمن في موقف فعلي مساند لفلسطين ويسعى لرفع الحصار عن غزة ووقف الإبادة الجماعية، تحركت أمريكا لدفع الأطراف اليمنية التي تقف بالإجمال في الخط الأمريكي ربطاً بالنظامين السعودي والإماراتي، وسمعنا من هذه الأطراف كما الزبيدي عيدروس عن استعداد وتجهيز للشراكة في التحالف الأمريكي البريطاني في البحر الأحمر.
وعندما وجدت أمريكا أن هؤلاء لا يمتلكون الحد الأدنى من أهلية المشاركة عسكرياً في إطار تحالفها بالبحر الأحمر عادت لتفعيل واستخدام هؤلاء في الضغط على الاقتصاد أو بتفعيل الورقة الاقتصادية التي هددت بها منذ مؤتمر الكويت المشهور، وذلك ما جاء في شكل قرارات لما يعرف بالبنك المركزي في عدن تسعى أمريكا من خلالها إلى حرب تجويع تجاه الشعب اليمني كما يمارس الكيان "الإسرائيلي" تجاه غزة والشعب الفلسطيني عموماً.
النقطة الأهم هنا هي دور النظامين السعودي والإماراتي؛ لأن أمريكا بدون دور لهذين النظامين لم تكن لتدفع إلى استصدار مثل هذه القرارات ولا تستطيع تفعيله، وبالتالي فاستهداف الشعب اليمني بالتجويع هو حرب سعودية إماراتية قبل أن تكون أمريكية.
ما يحدث من اليمن القيادة والشعب تجاه الملاحة "الإسرائيلية"، وربطاً بها الأمريكية البريطانية، يؤكد ببساطة أن اليمن كان قادراً على ممارسة ذلك على الملاحة السعودية الإماراتية خلال عقد عدوانهم على اليمن، ومع ذلك فاليمن آثر الصبر والتحمل ولم يلجأ لمثل هذا العمل الذي سار فيه لاحقاً تجاه قضية أهم ووضع أشد وأصعب كما نشاهد في غزة.
وبدلاً من أن يتأمل النظامان السعودي الإماراتي بتعمق في مثل هذه القراءة والمقارنة فكأنما قررا التفاعل مع أمريكا والكيان الصهيوني لشن حرب تجويع الشعب اليمني من خلال من شرعن له تآمرياً، وكان النظام شكل هذه الشرعنة في التآمر وشراء المواقف بالأموال.
تصورا أن ما يسمى السفير الأمريكي لدى اليمن يصرح بالقول إنه "لا يمكنه السير في سلام باليمن مادام كعب الحوثيين عالياً بالصواريخ والمسيرات"!
إذن فهو يريد الحرب رداً على موقف اليمن المساند لفلسطين، وقد جاء خيار "حرب التجويع" لأن النظامين السعودي والإماراتي لم يعودا مع حرب عسكرية كما كانت أمريكا اقترحت فيما سمته "تحالف الازدهار".
هذا يعني أن النظامين السعودي والإماراتي لا يعتبران حرب التجويع حرباً تستحق أو توجب الرد عسكرياً، وقد يقولان إنه لا دور لهما ولا تأثير في قرارات بنك عدن، فيما يستحيل حدوث ذلك بدون دور وتأثير بل أوامر وتوجيهات من النظامين إلى بنك عدن وحكومة المرتزقة والفاسدين. حرب تجويع الشعب اليمني هي عدوان جديد رأس حربته النظامان السعودي والإماراتي، مهما قالوا وكيفما كالوا. وهذان النظامان هما العدو الأول للشعب اليمني في هذه الحرب الجديدة كما في القديمة، ربطاً بالأمركة والصهينة وغيرها.
يكفي أن نفهم هذا وأن نعيه وأن نتصرف على أساس هذا الفهم وهذا الوعي، والمستحيل بعد هذا التحمل للعدوان وهذا الصبر على الحصار أن نقبل بحرب تجويع تستهدف الإبادة الجماعية أيضاً دون ممارسة أفعال أو تفعيل وليس مجرد رد فعل أو ردود أفعال.
النظامان السعودي والإماراتي سارا في هذا الخيار والقرار الأمريكي، من تصورهم هم ومن قراءة خاطئة تتلخص في أن أولوية إسناد فلسطين يمنياً تكبله عن خيار أو عمل عسكري ضد آخرين حتى حين تمارس حرب التجويع. كما لديهما قدرات لتفعيل ضغوط روسيا والصين وحتى إيران لإجبار اليمن على القبول بحرب التجويع ومنعها من السير في أي خيار عسكري تحديداً في ظل ما نعرفه ونتابعه من علاقات النظام السعودي مع هذه الأطراف الدولية والإقليمية.
دعونا من الصراع الدولي وحتى الإقليمي، وعلى هذين النظامين ألا يوصلا الشعب اليمني أو غيره إلى ما يسمى "خيار الانتحار"، وهو غير ما يطرحه عادة قائد الثورة تحت عنوان الخيارات الاستراتيجية. فعندما يصل شعب إلى مثل هذا الخيار فلن تستطيع أي قوى دولية أو إقليمية أن تمنعه أو حتى تهدئه.
الأولى بهذه القوى الدولية والإقليمية ومنها إيران أن تمنع وتوقف كارثة حرب "التجويع"، وإذا هي لم تستطع فلا حق لها في منع "خيار الانتحار" كدفاع عن النفس ودفاع عن الوجود، والزمن بيننا.