اليمن يعزل السعودية، هذه حقيقة وليست جملاً إنشائية يراد منها ملء الذات الفارغة لأن الأنا الفارغة لم تعد موجودة اليوم في اليمن.
قبل العدوان على اليمن بقيادة السعودية كان للأخيرة مكانتها عربيا ودوليا رغم الخلافات السياسية بينها وبين بعض دول العالم، الا انها كانت تحظى بمكانة ورمزية كونها تحمل رمزية الإسلام من خلال مكة المكرمة والمدينة المنورة وكانت تتبنى الاتفاقيات بين بعض الدول العربية متخذة من شعار علمها (لا إله الا الله محمد رسول الله) وسيلة لتداخلاتها.
ومنذ شن العدوان على اليمن في مارس من العام 2015 وصعود الأمير محمد بن سلمان إلى قمة الهرم بدأت السعودية تشعر بالعزلة وعلى قلق إن اتجهت يمينا او شمالا، فقد حول اليمن السعودية إلى مملكة معزولة لا تتوقف الانتقادات تجاهها إقليميا ودوليا.
قال محمد بن سلمان أنه سيجعل من السعودية دولة عظمى ترقى إلى مصاف الدول القوية سياسيا واقتصاديا وعسكريا ولأجل ذلك يدفع الأموال الطائلة لشركات العلاقات العامة للتسويق لهذه الفكرة، بينما على أرض الواقع الأمر مختلف تماماً، فقد اشتعلت النار ضد النظام السعودي بدءاً من حقيقة الصراعات والنزاعات بين افراد العائلة المالكة وكذلك صراعه مع السلطة الدينية التي يتزعمها آل الشيخ والتي اخذت منحى غير مسبوق في تاريخ السعودية منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى والتحالف الذي قام بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب.
مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس قبل حوالي الأربعين عاما ويتخذ المجلس من العاصمة السعودية الرياض مقراً رئيسياً له أصبح متصدعاً حيث كانت تمارس فيه المملكة السعودية دور الأبوية أصبحت اليوم السياسة السعودية تابعة للنظام الإماراتي وهذا الكلام بحسب معارضين سعوديين بل وأمراء بينهم الأمير عبدالعزيز بن فهد الذي اتهم محمد بن زايد بشكل مباشر برسم السياسة السعودية وكان ثمن قوله هذا هو الاعتقال، قطر بدورها خرجت من بيت الطاعة السعودي، بل ان قطر اليوم تتحدث علانية عبر وسائلها الإعلامية حول الانتهاكات السعودية ضد حقوق الانسان سواء في الداخل السعودي أم في الخارج.
إقليمياً ودولياً لم يعد بمقدور أي من رموز النظام السعودي زيارة أي بلد دون أن يضعوا في حسبانهم تجنب الشوارع العامة وكذلك تجنب البوابات الرئيسية اثناء المؤتمرات واعتماد البوابات الخلفية هربا من الإهانات فقد حصل لرموز النظام السعودي كمحمد بن سلمان وعادل الجبير واحمد بن عبدالعزيز واحمد عسيري وغيرهم كُثر الكثير من الاهانات من قبل محتجين بل وصل الأمر بعض الأحيان إلى رجمهم بالبيض الفاسد متهمين إياهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب اليمني وكذلك ممارساتهم القمعية ضد حقوق الانسان في الداخل السعودي واعتقال السلطات السعودية للناشطين والناشطات وتعذيبهم الشديد حيث وصل الامر لوفاة بعض المشائخ تحت التعذيب وكذلك التحرش الجنسي بالناشطات بحسب تقارير المنظمات الدولية.
قبل وبعد قمة العشرين والتي عقدت في 30 نوفمبر – 1 ديسمبر 2018 في بوينس آيرس عاصمة الارجنتين قام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بزيارة لبعض عواصم الدول العربية للتأكيد على انه ما زال مقبولاً لدى المجتمعات العربية خصوصا بعد تصاعد الحديث عن جرائم الحرب والابادة التي يقودها في اليمن وكذلك تورطه بقضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول بالإضافة إلى سجل السعودية المليء بانتهاكات حقوق الانسان في الداخل السعودي لكن النتيجة التي تلقاها محمد بن سلمان كانت عكس ما كان يطمح له تماما، لدى وصوله لمصر وتونس والجزائر وموريتانيا أقيمت العديد من الاحتجاجات والتظاهرات الرافضة لاستقبال محمد بن سلمان مما زاد من عزلة السعودية وانكسار رمزيتها وتشوهت صورتها اكثر رغم الأموال الطائلة التي صرفتها خلال السنوات الأربع الماضية، اما اثناء قمة مجموعة العشرين في الارجنتين فقد كانت الإهانة الكبيرة لمحمد بن سلمان أن جميع القادة والزعماء رفضوا الالتقاء به والسلام عليه عدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي التقى به وكان لقاء توبيخيا كون ولي العهد بن سلمان لم يستمع لنصائحه، ولن ينسى الجميع تلك الصورة التي ظهر بها ولي العهد اثناء التقاط الصورة التذكارية حيث وضع مكانة السعودية في آخر الصف وهذا على خلاف القمم والمؤتمرات الدولية السابقة.
أخيراً .. حاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن يبعد عنه هذه العزلة من خلال الدفع بهيئة الترفيه للأمام وصرف 60 مليار دولار للترفيه كي يقول للعالم أن السعودية اليوم أصبحت مملكة مختلفة عن السابق وأنها تحولت من مملكة الإرهاب وداعش الكبرى إلى مملكة الترفيه لكنه فشل أيضا حيث أن هذا الترفيه لم يكن في المقام الأول نابعاً من إرادة داخلية وانما اتى استجابة للأوامر الأمريكية وبالتالي لاقى الكثير من الانتقادات إضافة إلى أن هذه الأموال الطائلة تصرف على الترفيه بينما البطالة في السعودية أصبحت 34 %، بحسب كلام الدكتور فهد بن جمعة عضو مجلس الشورى السعودي وأكثر من 30 % يعيشون تحت خط الفقر.