||حسين بن محمد المهدي
إن من نِعم الله ومننه “جَلَّ جَلالُه وتقدَّست أسماؤه” على عباده أنه في العصر الذي ادلهمت فيه شرور الطائفة الهالكة التي نقضت عروة الإسلام الأولى وهي الحكم أوجد فيه من يقوم بإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ مِن أجلِ حراسة المجتمع الإسلامي من تلك العلة الفاتكة ليحيا من حيَّ عن بينة ويهلك من هلك بعد إعذاره.
لقد أحيا الإمام الحسين فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حباً لله ولرسوله ولشريعته وجهاداً في سبيل الله (من رأى منكم منكراً فغيره بيده فقد برئ، ومن لم يستطع أن يغيره بيده فغيره بلسانه فقد برئ، ومن لم يستطع أن يغيره بلسانه فغيره بقلبه فقد برئ، وذلك أضعف الإيمان) إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتوقفان على إذن أحد، ولا يملك أحد أن يمنع القائم به، ومن يستطيع أن يمنع أمراً أوجبه رب العباد على الجميع إيجاباً؟
ولكن إذَا قام به بعض الأُمَّــة سقط عن البعض الآخر، أما إذَا تركه الكل فالكل آثمون إثم تارك الفريضة، يستفاد ذلك من النص القرآني: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّـة يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ)؛ أي واجب عليكم أيها المؤمنون إذَا رأيتم معروفاً متروكاً أن يأمر بعضكم به، وَإذَا رأيتم منكراً مفعولاً أن ينهى بعضكم عنه.
إن إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متجه على المسلمين كافة، فإذا وضع البشر مصطلحات تحرّم الواجبات وتوجب المحرمات فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالمؤمنون مكلفون بإزالة المنكر والأمر بالمعروف، ومن يعارضهم في ذلك فَــإنَّه غير ممتثل لتشريع ربنا العليم الحكيم.
إن الحق سبحانه وتعالى لم ينزل كتاباً من كتبه السماوية إلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يرسل رسله الكرام إلا ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ولم يوجب على عباده أن يتعلموا شرائعَه إلا ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ولم يفرض نصب ولي أمر في الأُمَّــة إلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن الحق سبحانه وتعالى شرع فريضة الجهاد فاستلت السيوف من أغمادها للجهاد في سبيل الله؛ إحياء لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي لولاها لما استقرت الحياة فكان سيريق الدماء ويفسد في الأرض المستهزئون الفاسقون إذَا لم يؤخذ على أيديهم، فتضيع الأموال، وتختلط الأنساب، وتزهق الأرواح، وتشيع الفاحشة.
إنه لا بُـدَّ من قوة تتسم بالصلاح تحول بين الظالمين وظلمهم حتى يامن الناس على دمائهم وأنسابهم، وهي السلطان الذي جعله ربنا قيداً للظالم أن يتقدم إلى ظلمه، وحصناً للضعيف، وحارساً مهيباً يرعى قواعد الشريعة ويطبقها، فكيف إذَا اعتسف ولاية أمر الأُمَّــة مَن لا يرعى حُرَم الشريعة ولا يطبقها؟
كيف بالأمة إذَا ولي أمرها من ينتهك حرمات ربنا ويستحل المعاصي بلا خوف ولا وجل؟
فَــإنَّ الدنيا من مشرقها إلى مغربها ستموج بأصناف المعاصي موجاً، وذلك ما حدث في ولاية يزيد والدولة الأموية، حَيثُ استبيحت مدينة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- واغتصبت النساء وضربت الكعبة بالمنجنيق بين سمع الناس وأبصارهم.
إن مالكَ أزمة البيان سيفَ الله المسلول في الميدان وآية الله الجامع لصفات الأتقياء، الإمام الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- سبط رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- رغبةً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح شأن الأُمَّــة قد بادر بالخروج إلى كربلاء لمناجزة أعداء الأُمَّــة ومحاولة نصحهم إلى ما فيه نجاتهم وفلاحهم.
لقد صدع الإمامُ الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- بكلمة الحق غير خاش في الله لومة لائم، وعبر عما كان يجول في نفوس المؤمنين والأحرار وعقول ذوي الاستبصار من الحق باللسان والسنان.
فقدم نفسَه وخُلَّصَ أصحابه وأبناءَ عمومته وأبناءَه وقرابتَه في سبيل الله؛ مِن أجلِ نفع الأُمَّــة وصلاحها امتثالاً لقوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّـة يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
لقد ضرب الإمامُ الحسين -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- مَثَلاً أعلى في التضحية وقتل ومن معه في سبيل الله (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ).
فجزاه الله أفضل ما جزى المجاهدين المخلصين ونفع الأُمَّــة بجهاده وجليل أعماله؛ فهو القُدوة للمصلحين المحسنين في كُـلّ زمان ومكان.
إن موتَ الغيرة الإسلامية التي كان يحملها الحسين قد أضر بالأمة، وأوجد فيها من يشرعن للفساد والفاحشة ومراكز الترفيه واللهو، وهَّـاب البعض أن يقول للظالم يا ظالم، وسار البعض ينفذ ما يشتهي من الخبائث حينما ضيع البعض فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن الأُمَّــة حينما لم يوالوا أولياء الله ويعادوا أعدائه هان عليهم ما يحدث في فلسطين من الفساد وسفك الدماء، عدا قائد المسيرة القرآنية السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- وأنصار الله وحزبه وقائد الثورة الإسلامية في إيران فَــإنَّهم وقفوا موقفاً يشكرهم الله عليه واقتدوا بالحسين بن علي -عليهما السلام- في محاربه الظالمين والله ناصرهم ومعينهم.
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء (وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
*نقلا عن : موقع أنصار الله