تلاشت لغة الوجع وملامح الضعف من خطاب الإنسان اليمني، وحلّت بدلاً منها نبرة القوة والندية، والثقة بالتفوق، بعد ما يقارب عشرة أعوام، صمد فيها الشعب في وجه عدوان متعدد الأطراف والوجوه.
الكاتب: معين النجري - اليمن
"كُلّنا فداء لفلسطين.. والآتي أعظم"، هكذا علّق الفنان اليمني كمال طماح في منشور في صفحته في فيسبوك، مُرفَقاً بصورة لميناء مدينة الحديدة، غربي اليمن، في أثناء اشتعال النيران فيه، في إثر العدوان الإسرائيلي عليه يوم السبت الماضي، والذي استهدف خزانات الوقود.
وأشار، في المنشور الذي حصد آلاف التفاعلات، إلى أن غارات العدوان الإسرائيلي على اليمن دليل على أن استهداف القوات اليمنية لـ"تل أبيب" عبر طائرة مسيرة كان موجعاً جداً للكيان الإسرائيلي.
وقال الناشط شوقي القهبري، مُعلقاً على العدوان الإسرائيلي: "في سبيل الله يرخص كل غالٍ، ومن أجل غزة سنبذل الغالي والنفيس". ووجّه حديثه إلى قادة الاحتلال: "ردنا سيكون أكبر مما تتخيلون، وأسرع مما تتوقعون".
تلاشت لغة الوجع وملامح الضعف من خطاب الإنسان اليمني، وحلّت بدلاً منها نبرة القوة والندية والثقة بالتفوق، بعد ما يقارب عشرة أعوام، صمد فيها الشعب في وجه عدوان متعدد الأطراف والوجوه، والذي استخدم في حربه ضد اليمن كل أنواع الأسلحة العسكرية والاقتصادية والسياسية.
وفي هذا السياق، يوضح الباحث الاجتماعي صادق عبادي اليريمي أن التغيير في شخصية الإنسان اليمني لم يحدث بين يوم وليلة، وإنما نتيجة أعوام من الحرب والحصار على اليمن.
وقال، في حديثه إلى الميادين نت إن "العدو راهن على طول فترة العدوان والحصار، وأنّ استمرارها أعواماً سيُخلّف مجتمعاً ضعيفاً يسهل تطويعه. لكن ما حدث هو العكس تماماً"، مؤكداً أنّ أعوام الحرب زادت المجتمع اليمني تماسكاً وقوّة، وأصبح أكثر شعوراً بمظلوميّة غيره من الشعوب واستعداداً للمساندة.
يحدث ذلك على رغم أن الوضع الإنساني لا يزال صعباً، ومعاناة الناس نتيجة العدوان والحصار لا تزال تتفاقم، وخصوصاً بعد توقف المساعدات الإنسانية في المناطق الخاضعة للحكومة في صنعاء، وفقاً لـليريمي، مضيفاً أنه "حتى المساعدات الإنسانية حاول المجتمع الدولي استغلالها من أجل إذلال اليمنيين، لكنه فشل".
الغارات والنتيجة العكسية
لم تكن غارات العدوان الإسرائيلي على اليمن هي الأولى، التي تحاول ثنيه عن موقفه الثابت والمساند للشعب الفلسطيني، عبر كل المستويات.
فمنذ أشهر يتعرض اليمن لغارات متواصلة ينفذها الطيران الأميركي والبريطاني، سعياً لإضعاف اليمن وإحداث تغير في موقفه، شعباً وحكومة، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لكنها لم تحصد منها سوى الفشل.
يقول اليريمي: "ما لم تنجح فيه الولايات المتحدة وبريطانيا وقبلهما دول العدوان، لن تحققه إسرائيل مهما بلغت بشاعة عدوانها".
وبدلاً من هزّ ثقة الشعب بموقفه، ضاعف العدوان الإسرائيلي - الأميركي - البريطاني ثقة الشعب بموقفه وموقف قيادته الداعم لفلسطين. وهذا، بحسب اليريمي، يثبت تماسك المجتمع وقوته وإيمانه الراسخ بصواب موقفه، الذي أصبح مصدر إحباط للمعتدين.
الاستمرار نابع من الإيمان
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، عقب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس، في الـ 7 من أكتوبر 2023، لا يزال الشعب اليمني مستمراً في مساندة الشعب الفلسطيني، في جميع الأصعدة.
في السياق، يقول الصحافي المتخصص بالشؤون الدولية، إسكندر المريسي: "مرّت أكثر من 9 أشهر منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واعتادت أغلبية الشعوب العربية على صور الدمار ومشاهد الضحايا، ولم نعد نشاهد أي تفاعل حقيقي منها، لكن الشعب اليمني لا يزال تفاعله في تصاعد مستمر". والدليل الخروج الأسبوعي المليوني المتواصل إلى ميدان السبعين نصرة لغزة.
وقال المريسي، في حديثه إلى الميادين نت، إنّ "الشعب، الذي تعرض للظلم والعدوان، هو الأكثر إحساساً وتفاعلاً ومساندة للشعوب التي تمر في الظروف نفسها، التي عاشها".
ويدرك الشعب اليمني، منذ إعلان موقفه المساند لأهالي غزة ضد العدوان الإسرائيلي، شعبياً وسياسياً وعسكرياً، أنه سيدفع ضريبة هذا الموقف، وفقاً لـلمريسي، موضحاً أن اليمني يتعامل مع مساندة حكومته للشعب الفلسطيني كونها واجباً دينياً وأخلاقياً وإنسانياً.
تفويض جماهيري
لم يتخلّف الشيخ مبارك العسل عن المشاركة، عصر كل جمعة، في المسيرة الأسبوعية، التي ينفذها الملايين من أهالي صنعاء، منذ انطلاقها قبل عدة أشهر، من أجل مساندة الشعب الفلسطيني والتنديد بالعدوان الإسرائيلي، وتأييداً لموقف حكومة صنعاء.
ويصف العسل، وهو أحد مشايخ قبيلة مرهبة شمالي اليمن، تفاعل ملايين اليمنيين واستجابتهم الدائمة لدعوات السيد عبد الملك الحوثي، قائد جماعة أنصار الله، في الاحتشاد الأسبوعي، بأنه "تفويض شعبي وتأييد كامل لنهج السيد ومواقفه، سواء تلك المتعلقة بفلسطين أو المتعلقة باليمن".
بالإضافة إلى ذلك، يرى العسل، في حديثه إلى الميادين نت، أن استمرار خروج ملايين اليمنيين إلى الساحات في عدد من المحافظات،بوتيرة أسبوعية، هو من أجل تأكيد استعدادهم الدائم للتضحية والبذل في سبيل نصرة الفلسطينيين ضد الظلم الذي يمارسه الاحتلال عليهم، بدعم وتأييد كاملين من الدول الغربية.
وإلى أن تنتهي الحرب على قطاع غزة وينال الفلسطينيون نصرهم وينتزعون حريتهم، سيستمر العسل وملايين اليمنيين في تأييدهم الكامل ومساندتهم المطلقة للشعب الفلسطيني، في الفعاليات الجماهيرية وعبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مبدين استعدادهم لبذل أنفسهم وأموالهم فداءً للقضية الفلسطينية، مردِّدين شعارهم الدائم: "القوة القوة، لا بارك الله بالضعيف".
* نقلا عن :الميادين نت