زوامل كالصواعق
قراءة أولية في حماسيات الحرب
الحلقة الثالثة:
شاعر الجيش واللجان محمد الجرف
ما قيمة الشعر إن لم يقف الشاعر مع وطنه ضد العدوان الأجنبي وأدواته؟.. هذا ما أثبته شعراء مواجهة العدوان بمختلف مستوياتهم، سواء في ذلك كُتّاب الفصيح أو كُتّاب الشعبي. شعراء ظهروا في الوقت المناسب، وقت تخلى كثير من المثقفين عن قضية وطنهم، أو حاولوا تشويهها.
وإذن، فمن الشعراء المجاهدين لدينا في هذه الحلقة الشاعر المبدع محمد الجرف، شاعر الجيش واللجان.. ومَن منا لم يسمع زامل صنعاء بعيدة، الذي هو من كلمات شاعرنا؟! ذلك الزامل الذي بلغ صيته الآفاق، وبدأ بموال: استنفري يا جيوش الله في مارب، ثم استهل أبياته بقوله:
صنعا بعيدة قولوا له الرياض أقرب
يا بندقي لا هنت سامرني اللية
لتأخذ الأبيات بعد ذلك بُعدًا قيميًا، فيقول شاعرنا:
الله أكبر صداها في الحشا يلهب
وبندقي في الخصم يدّي مواليله
القوم شدت نكفها للقا ترغب
كلاً حزم عدته واسرج على خيله
ويتحدى المعتدين بتاريخه العريق الذي تشعر فيه أن كل قطعة حجر وشجر في هذه الأرض تقاتل معه:
هذا اليمن من تجاهلنا فقد جرب
المعتدي الغبي يبشر بتنكيله
أبيات كالصواعق على العدو بقدر ما كانت بردًا وسلامًا على قلب كل يمني.
كذلك لشاعرنا أبيات رائعة في قصيدته يا البنادق كبري، وفيها:
الله أكبر فوق الأعدا يا البنادق كبري
احنا هل الغزوات واحنا للغزاة التهلكة
وفيها يشبه عشاق المعارك والحروب من اليمنيين بعنترة الذي عشق عبلة، وشتان بين العشقين..
غيري عشق عبلة وانا فارس عشقت المعركة
يا أرضنا ثوري ويا كل القبايل ثوّري
وادّافقي لاكل جبهة ثارنا ما نتركه
اليوم يوم الحشر يا شم الجبال استنفري
أقسم برب المُلك ما تبقى عروش المملكة
ولأن شاعرنا يرافق أنفاس المعركة من يومها الأول، فقد كتب عن أماكن المواجهة وجبهات الصمود في كل اتجاهات البلاد، ففي قصيدته عن ميدي يقول في مطلعها:
يا بيد ميدي لحلف المعتدي بيدي
دكي جيوش التحالف في الرمال رمال
ففي شطر البيت الأول هذا لاحظنا وكأننا أمام صناعة بلاغية جديدة وبشكل بهي، كما في المجانسة بين بيدي وميدي من جهة وبين كلمتَي بيدي العامية التي تعني أبيدي وبيد الفصحى جمع بيداء.. وفي القصيدة يقول أيضًا:
قولوا لحلف الزواحف حتفهم بِيدي
وانا هنا كالأسد واقف على الأطلال
من هذه الأبيات وسواها نستشف قدرة الشاعر محمد الجرف على تثبيت دعائم معانٍ دالة على حب اليمن في قلب الشاعر الذي هو قلب الوطن وفي ضميره الذي هو ضمير كل حر ينتمي إلى اليمن، هويّةً وحضورًا، فيتكلم عن قضيته بلسان يمنيٍّ مبين.