على نفسها جنت الرياض، وما كان تهديدا وتحذيرا بالأمس غدا واقعا مريرا تتجرعه السعودية ومرتزقتها وحلفاؤها، فالرد اليماني المزلزل أصاب قلب السعودية وشريانها الاقتصادي على نحو لم تعرفه السعودية منذ قيام دولتها واكتشاف النفط على أراضيها، ولا يزال القادم أعظم ما دام آل سعود مستمرين في عدوانهم وحصارهم وحربهم العبثية على اليمن.
واليوم وفي هذه اللحظة الفارقة التي نقلت الحرب إلى نقطة توازن الردع، فإن آل سعود أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما التصعيد والحرب المباشرة مع إيران، وإما وقف العدوان على اليمن والتفاوض المباشر مع أنصار الله.
بالنسبة للخيار الأول، فمستبعد حتى الآن، فالسعودية لن تحارب بمفردها، بل عليها أن تستعين بالدول الكبرى، وبالذات أمريكا وبريطانيا، وقد قالها ترامب بصراحة، أن على السعودية أن تدفع أكثر وأكثر إن أرادت حماية نفسها، وهذا يؤكد أن واشنطن لن تحارب بالنيابة عن الرياض، بل إن البيت الأبيض ليس في وارد التصعيد العسكري مع الجمهورية الإسلامية، وقد رأينا كيف أحجم ترامب عن المواجهة حين قامت إيران بإسقاط طائرة أمريكية، معلنة استعدادها للدخول في الحرب الشاملة..!
أما بريطانيا، فأزمتها السياسية الداخلية لن تسعف قيادتها بالمشاركة في حرب خارجية لا يمكن معرفة نتائجها، وأين ستتوقف تداعياتها الاقتصادية، بل إن بريطانيا هي الأخرى اضطرت للتعاطي الدبلوماسي مع إيران التي احتجزت احدى ناقلاتها البحرية، ولم تفرج عنها حتى الآن.
ولم يعد جديدا أن أمريكا تسعى إلى الاستفادة القصوى من الوضع المنهار للسعودية، والترويج لصفقات تسليح جديدة مقابل وعود كاذبة بدخول الحرب مع السعودية إن قررت الأخيرة الانخراط في خيار صفري كهذا..
لكن من يمهل السعودية حتى تختار الحرب أو السلام مع إيران، فالقيادة اليمنية التي تعتز باستقلال قرارها وموقفها لن تنتظر نتائج السجال الإعلامي الذي يتجه إلى التهوين من شأن قدرة صنعاء وجيشها الوطني، وما اكتسبته من خبرات وقدرات نوعية خلال خمس سنوات كانت عنوانا للصمود والثبات في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي، فلا يمكن استبعاد أن ضربة نوعية ثالثة في طريقها إلى العمق السعودي مجددا، ما لم ينزل آل سعود من الشجرة، ويتجهوا على نحو سريع ومباشر إلى الخيار الثاني.
خيار وقف العدوان ورفع الحصار عن اليمن، سيكون الأقل كلفة على النظام السعودي، ولكنه في هذا التوقيت سيكون بمثابة الاستسلام، وسيمنح صنعاء مزيدا من نقاط القوة على طاولة المفاوضات. وحتى إن اختبت السعودية وراء مرتزقتها اليمنيين، ودفعت بهادي وحكومته لتصدر المشهد التفاوضي، فإن ذلك لن يحول دون تمريغ أنفها وانصياعها للتفاوض المباشر حول ملفات لا يمكن لغير الرياض أن تبت فيها.
على آل سعود الاختيار السريع بين الخيارات المحدودة والمرة، فالوقت لا ينتظر، وما يبدو متاحا اليوم سيغدو متعذرا قادم الأيام.. رأس الأفعى يترنح وما بعد البقيق ليس كما قبله.. ، ولله عاقبة الأمور.