بعيدا عن المشاعر والعواطف التي لا يمكن نكرانها وتأثيرها في نظرتنا للجريمة المروعة التي ارتكبتها واشنطن بحق الشهيد قاسم سليماني ورفاقه، فإن ردة الفعل المتشفية التي صبغت تناولات الكثيرين من الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي قد ضاعف من فجيعتنا وحسرتنا، فغدا الوجع أكبر والألم أشد إيلاماً.
وما يوجع أكثر أن المنطق الذي يستند إليه الشامتون ينطلق من حمأة الطائفية المقيتة، ويتماهى مع العربدة الأمريكية في المنطقة التي تبدو مكشوفة الظهر بغياب المشروع العروبي الجامع. وللأسف فإن البعض ممن عبر عن الفرح والزهو بمقتل القائد الإيراني الكبير ولم يأبه لمشاعر الملايين من المسلمين المؤمنين بحق أمتنا في مقاومة المشروع الصهيوأمريكي، تناسى في الأصل أن القضية التي استشهد من أجلها سليماني ورفاقه هي قضية عربية بامتياز. !
فلسطين لمن ألقى السمع وهو شهيد كانت القضية المركزية لجميع العرب قوميين وإسلاميين ويساريين، مسلمين ومسيحيين، سنة وشيعة ..وحين تلقت هذه القضية ضربة عنيفة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل مطلع الثمانينيات، وخروج القاهرة من معادلة الصراع العربي الصهيوني، تخلقت حركات شعبية مقاومة في لبنان وفلسطين حاولت أن تملأ الفراغ، وتصدت بكل صبر ومثابرة لصنوف تصفية القضية الفلسطينية، وأمكن لها أن تغدو رقما صعبا في المعادلة الإقليمية، رغم خذلان الأنظمة الرسمية، ورغم ما حاق بالمنطقة العربية من متغيرات وانتكاسات متوالية خلال العقدين الأخيرين.
غادر النظام العربي الرسمي مربع الصراع العسكري مع اسرائيل، وأطلق القادة العرب مبادرة رسمية للسلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أن حركات المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان وفلسطين واصلت لوحدها مسيرة الصمود والتحدي. ومنذ عام 2000م ، وبرغم الوضع العربي الرسمي المهترئ، إلا أن إسرائيل لم تتقدم شبرا واحدا في لبنان أو في غزة، ولا شبرا اضافيا في سوريا. وبرغم أن تل أبيب حاولت أن تحتل جنوب لبنان من جديد في 2006م، إلا أنها ومنذ هزيمتها في حرب تموز مع حزب الله لم تجازف أن تخوض حربا أخرى على لبنان، كما أنها لا تجرؤ اليوم على خوض حرب شاملة مع محور المقاومة، وتكرار ما فعلته في 1967م، ليس لأنها تخاف من ردة فعل عربية رسمية لا سمح الله، وإنما لأن خلف المقاومة قوة عسكرية معتبرة اسمها الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وإذ يتهكم البعض من فيلق القدس الايراني ومن الأدوار الجهادية للشهيد قاسم سليماني، فإن فصائل المقاومة الفلسطينية تكاد تجمع على فضل سليماني ودعم الحكومة الإيرانية ماديا وعسكريا في مواجهة الكيان الصهيوني والحد من هجماته على غزة وشعبها، هذه المدينة الباسلة التي تتعرض للحصار منذ سنوات على مرمى سمع وبصر العرب والأعراب.
لقد كان الشهيد قاسم سليماني رأس الحربة العسكرية لمحور المقاومة، وكان له الفضل الكبير في تشكيل الحشد الشعبي العراقي، وفي دعم ومساندة سوريا وحكومتها، ولقد كان الرقم الصعب في القضاء على “داعش” بكل تفرعاتها الإرهابية. وحين اختارت واشنطن تصفية سليماني ورفاقه، فقد تعمدت بعمليتها الإرهابية هذه النيل من محور المقاومة بأكمله، ولكن هيهات هيهات..
ننتظر ونتمنى ونتوقع ردا إيرانيا سريعا وقويا ومباشرا يضع حدا للعربدة الأمريكية ويشفي صدور قوم مؤمنين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.