حاوره/ عبدالرقيب المجيدي / #لا_ميديا -
التجهيز لحوار مع الشاعر الكبير عباد أبو حاتم، أمر مُشوق للغاية، وانتقاء الأسئلة يتطلب مفاضلة مرهقة.
لا يمكنني بكلمات قليلة أن أتحدث عن تجربة الشاعر أبو حاتم، فكل ثمرة من ثمار تجربته الشعرية تحتاج إلى أسطورة تنسج أجزاءها.
عندما التقيته لإجراء هذا الحوار، أذكر فقط إحساسي بالبهجة الصافية برؤيته والاستماع إليه، وكان استقباله لنا بطريقة طبيعية تنساب بساطة وحميمية.
نال شهرة واسعة لأن قصائده تتسم بالكمال الشعري، وأسهم كثيراً في الارتقاء بالحياة الثقافية.
فمن حقنا أن نتباهى بالشاعر عباد أبو حاتم وبقصائده النوعية والنادرة التي كان لها دور كبير في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي.
إنه يمتلك مخزوناً معرفياً وقدرة فائقة على الإبداع، ولعل هذه الصفات جعلته يصل إلى قلوب الجماهير ببساطة متناهية.
ما بعد العدوان ليس كما قبله
هل لك أن تخبرنا عن بداية مشوار عباد أبو حاتم الشعري، وكيف وصل ليكون أحد أعلام المشهد الشعري المناهض للعدوان؟
- البنية القبلية التي عاش فيها عباد أبو حاتم، تحب الشعر، وكان جدي من شجعني على حفظ الكثير من الزوامل الحساسة، وفي المرحلة الإعدادية بدأت أكتب المحاولات الشعرية، وكذلك في الثانوية، ولكن ما بعد العدوان ليس كما قبل العدوان.
فقبل العدوان كان الشعراء في كل وادٍ يهيمون في كتابة شعر الغزل والمدح، لم يكن هناك قضية ولا هدف، وبعد العدوان وجدنا القضية، والمسيرة وجهت مسارنا، وصار لقصائدنا وقع كبير. وعباد أبو حاتم عرفه الناس من خلال شعره المناهض للعدوان، ومن خلال وقوفه إلى صف الشعب المظلوم، وكذلك غالبية الشعراء، وكان هناك شعراء كبار غابوا عن المشهد تماماً، وظهر آخرون نتيجة وقوفهم ضد العدوان، ونتيجة ارتباطهم بالأحداث الوطنية.
استطاع عباد أبو حاتم من خلال إنتاجه الغزير أن يسجل حضوراً مميزاً، ما سبب هذا الحضور القوي والمؤثر؟
- السبب الأول هو الاستشعار بالمسؤولية ضد هذا العدوان، فالشاعر المناهض للعدوان كل لحظة مع الشعب ومع المجاهد ومع المثقف ومع كل فئات المجتمع، فكانت قصائدي في هذه المرحلة تلامس قلب كل مواطن، فالغزارة في الإنتاج الشعري كانت بغزارة الأحداث التي مرت بها البلاد.
أقسمت نيابة عن الشعب
«نقسم برب العرش خلاق السما»، «دق التحالف دق»، «اشبك الحد الشمالي»، «صوت الوطن»، «يا جيشنا قل للملك وابن الملك»، «العاصفة»... والكثير من الزوامل الشهيرة التي يحفظها الصغار والكبار، والتي كان لها دور في مناهضة العدوان الأمريكي السعودي. ما هو الزامل الذي تعتز به كثيراً؟
- أعتز بجميع قصائدي، ولكن الزامل الذي لامس قلوب الشعب اليمني هو زامل «نقسم برب العرش خلاق السما»، أعتقد أنه كان قسماً بالنيابة عن الشعب اليمني، فكان هو النافذة إلى الشهرة، وأنا أعتبر أن إذاعة صنعاء هي التي وصلت عباد أبو حاتم إلى الناس وإلى قلوب الناس، فالناس عرفوني عبر إذاعة صنعاء قبل أن يعرفوا زواملي.
هددني العدو السعودي بقصف بيتي
كانت والدتك في بداية العدوان تعاني من المرض، وكان من الضروري أن تسافر إلى السعودية.. هل طلبت منك عدم كتابة الشعر المناهض للعدوان السعودي؟
- طبعاً والدتي كان عندها مرض في صمامات القلب، وكان قد أجري لها عملية جراحية قبل 25 سنة في السعودية في مستشفى الملك فيصل، وأيام دراستي الجامعية في العراق كانت تسافر معي، وعندما كانت تعاني من المرض كنت أعرضها على بعض الأطباء، فكان هؤلاء الأطباء يشيدون بالدكتور الذي أجرى لها العملية، فاقتنعت والدتي بهذا الدكتور قناعة تامة، وكانت تقول إنها إذا احتاجت لعملية ثانية ستفعلها في مستشفى الملك فيصل عند الدكتور زهير الألوسي، وقبل العدوان بفترة بدأت تتأثر، ومن الضروري أن تجري عملية جراحية، وعندما قمت بإرسال ملفها إلى السعودية طلبوا مني أن أكتب صياغة في منتهى الإذلال، فقلت لوالدتي هل أنتِ راضية أن أكتب هذه الصيغة التي طلبوها منا، فقالت لا، ولكن أبحث لنا عن طريق آخر. فعندما بدأ العدوان كنت أريد أن أكتب الشعر، وكنت أتذكر والدتي أنها تريد السفر إلى السعودية، ويجب ألا أكون عائقاً أمامها، فقلت لها انظري إلى مشاهد الغارات والقصف، فقالت الله يلعنهم، أما الآن لو يعطوني التذاكر إلى البيت ولا أريد العلاج بالسعودية، فقلت لها هل أنتِ مقتنعة بأن أكتب القصائد ضد العدوان، فقالت لي اكتب والباري كريم لن يفلتنا، وكتبت الكثير من القصائد، وكانت تأتيني رسائل تهديد من السعودية لو تطلع بالمسيرة سنقصف بيتك وسيارتك، فقلت لهم لو قصفتم بيتي لن يزيدني إلا عزة وشرفاً، وفي تلك الفترة تعبت والدتي، وكان لا بد أن تسافر، وأنا مستحيل أن أخرج معها عبر المطارات التي تحت سيطرة الاحتلال والمرتزقة لأنهم بدون شك سيعتقلونني، طبعاً أنا ابنها الوحيد فوالدي استشهد في المناطق الوسطى، وعمري 15 يوماً، ثم قمت بإسعاف والدتي إلى مستشفى المتوكل، وبقيت في العناية فترة، ثم نقلناها إلى المستشفى العسكري بقسم العناية، وكانت تخاف كثيراً عليّ، وكانت عندما تسمع إطلاق نار وهي في العناية تقول لهم أريد ابني، وعندما أذهب إليها كانت تقول سمعت صوت رصاص لا ترقد في المستشفى، وأنا أقول لها سأذهب إلى البيت، ولكن كنت أجلس في باب المستشفى، فلم تكن والدتي حجر عثرة أمامي وفي طريقي التي اخترتها، فبقيت والدتي يومين في غيبوبة وتوفيت بعدها رحمة الله عليها، وكتبت حينها منشوراً افتحوا مطار صنعاء كي لا تموت أم أخرى غير أمي.
ربان سفينة نوح
كشاعر مناهض للعدوان وللهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.. ماذا تقول بحق قائد يمني بحجم السيد عبدالملك الحوثي وهو يقود هذه المواجهة ضد هذه الهيمنة؟
- السيد عبدالملك ربان سفينة نوح وسفينة النجاة، فقد جاءت المسيرة القرآنية وعززت نخوتنا وعروبتنا وإيماننا وهيبتنا وقوتنا وبأسنا، ونجدد العهد للسيد بأننا على الدرب سائرون ولو لم يبقى منا رجل واحد، ونسأل الله أن يثبتنا بالثبات معه، فسلام الله عليه.
بعد هذه المرحلة المتوسطة من كتابة الشعر، هل الشعر عندك متعة أم وجع؟
- الشعر بالنسبة لي متعة عندما أرى انتصارات الجيش واللجان في الجبهات، والشعر كذلك عندي وجع عندما أرى أمي تموت بين يدي في ظل العدوان وأنا لا أستطيع أن أفعل لها شيئاً.
هل كتبت قصائد رثاء لوالدتك؟
- نعم، كتبت قصيدة وأنشدها عبدالخالق النبهان.
المسيرة صححت المسار
كنت تقدم برنامج «داعي القبيلة» في قناة اللحظة.. ماذا أضاف لك هذا البرنامج؟
- البرنامج أضاف لي الكثير من خلال النزول إلى العديد من القبائل، تعرفت على الكثير من عادات القبائل، وتحس وأنت متواجد معهم بعظمتهم في التحشيد للجبهات وفي الدفاع عن الوطن وفي عودة روح القبيلة اليمنية، وقبل العدوان حاولوا أن يبعدوا القبيلة اليمنية عن عاداتها وأعرافها، لكن المسيرة القرآنية جاءت وصححت هذا المسار.
هل هناك مواقف طريفة حدثت لك في برنامج «داعي القبيلة»؟
- من المواقف الطريفة عندما وصلت إلى قبيلة الشاعر هلال العيد في خولان الطيال، وقبل ما نبدأ التصوير، قلت له سأسألك عن زامل أنت معجب به وتتمنى لو كتبته أنت، ولا تذكر زواملي أنا الآن مقدم برنامج، فقال لي أحسن زامل هو زاملك الذي جعلني أنقلب بسيارتي، وهو زامل «العاصفة ثارت عليها رياحي»، وعندما بدأنا بالتصوير ووجهت له السؤال، فقال لي زاملك.
لماذا توقف برنامجك «داعي القبيلة» ؟
- لاعتبارات شخصية أتحفظ عن ذكرها تركت العمل في القناة.
طموحنا الأكبر تحرير الأقصى
إلى أي حد استطاع عباد أبوحاتم أن يحقق طموحاته؟
- طموحاتي وطموحات اليمنيين لم تتحقق إلى الآن، حققنا بعضها، وطموحنا الأكبر أن نصل إلى القدس وتحرير الأقصى.
هل صحيح أن الإنسان كلما عرف أكثر أحس بفداحة جهله؟
- أكيد.
الليث يتجاهلني
لماذا توقف عيسى الليث عن إنشاد قصائدك؟!
- عيسى الليث هو الصوت الجهادي بامتياز، وصوت الحق، وجبهة بحد ذاته، دون أية مزايدات، ونسأل من الله أن يديمه، وأن يعطي صوته لما فيه عز الإسلام والمسيرة والأمة.
كانت تربطني علاقة قوية بعيسى الليث، وكان يتصل بي ويطلب مني أن أكتب له حول موضوع معين، أو لحن معين، وكتبت للكثير من المنشدين مثل الشهيد لطف القحوم، وفرقة أنصار الله، وشرف الذيفاني، وعبدالعظيم عز الدين، وأيمن قاطه، فكتبت لهؤلاء جميعاً وللتلفزيون وللفعاليات، وهذا يعتبر فضلاً من الله. بعد سنة ونصف من العدوان شعرت بأن عيسى الليث بدأ يتهرب مني، ولم أعرف ما هو السبب، والزوامل التي كانت بعد السنة والنصف لم تكن مثل التي قبلها بصفة شخصية من عيسى، فمثلاً تكون هناك فعالية يتصل بي القائمون عليها، ويطلبون مني أن أكتب، فكنت أكتب لهم القصائد وأرسلها إليهم، وهم يرسلونها إلى عيسى وينشدها. وبعد فترة كتبت له العديد من الرسائل، ولم يرد حتى على رسالة واحدة، وآخر لقاء بيننا كان قبل سنتين ونصف، وسألته هل هناك توجيه يمنعك من تسجيل قصائدي وإنشادها على الأقل لكي تخرج من الإحراج أمامي؟، وهل قام أحد بنقل كلام عني؟ فكان رده عز الله ما في شي، وقبل سنتين تقريباً اتصل بي وقال أريد منك أن تكتب لي زاملاً لعيد الأضحى، فكتبت الزامل وأرسلته إليه، فقال لي بأن القصيدة مناسبة جداً، وقبل العيد بيوم طلب مني تعديل أحد الأبيات، فقمت بتعديله وأرسلتها إليه وظللت ليلة العيد إلى الصباح وأنا منتظر الزامل وأريد أن أسمعه، وفجأة يقوم عيسى الليث بإنزال زامل آخر. فعندما ترسل قصيدة إلى عيسى الليث وفجأة ينزل زاملاً آخر من نفس الفكرة، فهذه التصرفات أثرت كثيراً على نفسيتي، والذي جعلني أشعر بأن هذه التصرفات متعمدة تماماً سواءً من قبل عيسى أو غيره، عندما تم تلحين زامل «هي واحدة ما شي معانا ثانية» بنفس اللحن للزامل الذي عُرف من خلاله عباد أبو حاتم «نقسم برب العرش خلاق السما بانعدم الجيش السعودي نعدمه». صحيح أن الزامل من ألحان عيسى، لكن الكلمات كلماتي والعمل مشترك بيني وبنيه، وكان على عيسى الليث أن يتصل بي ويشرح الأمر! فالسؤال يجب أن يتم توجيهه إلى ضيف الله سلمان وعيسى الليث.
اتحاد الشعراء يفتقر للدعم
ما الذي قدمه اتحاد الشعراء والمنشدين للشعراء؟!
- قدم أشياء، ومازال عليه واجبات، والأستاذ ضيف الله سلمان يشكر على كل مجهود يقوم به، ونحن نطالب القائمين على ضيف الله سلمان وعلى الاتحاد كوزارة الثقافة أن تقدم ما يستطاع للشعراء، وعندما كنت في قناة «اللحظة» التقيت بوزير الثقافة وسألته ماذا قدمت وزارة الثقافة للشعراء، فقال لا شيء، فسألته بماذا تعدون اتحاد الشعراء والشعراء؟ فرد بأننا سنقدم لهم ما نستطيع. وكذلك نأمل من نائب وزير الثقافة الأستاذ محمد حيدرة، وهو من المقربين من جميع الشعراء، ويعرف معاناتهم، نأمل أن تكون له لمسة معينة في دعم اتحاد الشعراء والمنشدين.
إلى أي مدى تخاف أن يهجرك الإبداع الشعري نهائياً؟
- إلى درجة كبيرة، لكن أتمنى ألا يهجرني.
البكاء فرحاً بالنصر
متى تشعر بأنك بحاجة للبكاء؟!
- البكاء أحياناً يعمل على إخراج الهموم، وأحيانا تبكي فرحة، مثلاً مشاهد النصر التي شاهدناها تجعل الإنسان يبكي، وعندما كنت في نقيل الفرضة كانت الدمعة في عيني وأنا أرى المدرعات محروقة.
الطفولة لا تموت في أعماقنا، ولكن تساعدنا على مواجهة الزمن، لنعد بالذاكرة إلى طفولتك، كيف كانت؟
- والدي استشهد وعمري 15 يوماً، وكان جدي هو الذي تولى رعايتي، ولكن اليتيم يشعر دائماً أن هناك شيئاً ناقصاً فيه، خصوصاً وأنا وحيد وليس لديّ إخوة.
كيف تنظر إلى الحب؟ وكيف تعيشه؟
-أساس الحب الثقة، وإذا انعدمت الثقة لن يكون هناك صداقة أو أخوة أو حب.
كلمة أخيرة؟
شكراً لصحيفة «لا» ولرئيس تحريرها الأستاذ صلاح الدكاك، على هذه اللفتة الكريمة، وسلام الله على رجال الرجال في الجبهات، وسلام الله على قائد المسيرة القرآنية السيد عبدالملك الحوثي، وعلى القيادة السياسية ممثلة بالرئيس مهدي المشاط، وعلى الشعب اليمني الصامد في وجه العدوان الأمريكي السعودي، وسلام الله على الشهداء، وسلام الله على والدتي.
* نقلا عن : لا ميديا