من حوف إلى ميدي ، ومن باب المندب إلى صعدة ، من الشمال إلى الجنوب ، ومن الشرق إلى الغرب ، دروب الكرامة تروي يمنا عصيا على الغزاة ، وبلدا دفنت رماله جيوش واحتلالات وإمبراطوريات كبرى ، فهذه مدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف.. فيها مقبرة جماعية لجيوش الرومان والبيزنطيين ، الذين أُبيدوا في مغامرات العصور القديمة…حتى اللحظة ما تزال “الحزم” هي الحزم نفسه ، واليمن “مقبرة الغزاة” تذيقهم مرارة الهزائم ، وتعلم العملاء والخونة أن الكرامة قيمة تنتمي لهذه الأرض ، وثقافة ترتبط بالإنسان منذ ولادته يمنيا.. ولتسمية اليمن بمقبرة الغزاة دلالاتها العميقة ، تخطها راهنا وقائع الميدان وخرائط معارك تحرير الأرض وتطهير البلاد من دنس الغزاة والمرتزقة.
منذ عملية “نصر من الله” ، ثم “البنيان المرصوص” وصولا إلى عملية “فأمكن منهم” ، تمضي قواتنا المسلحة في معركة تحرير الأرض ضمن استراتيجية حرب التحرير الوطنية بمفهومها الشامل في تحرير كل شبر يمني ، وفرض سيادة الجمهورية اليمنية على كامل التراب أيضا ، وفي هذا الطريق يمضي أبطالنا في إسقاط ألوية وجيوش وأحلاف ، ويكنسون أوهاماً ومشاريع ومؤامرات وخرائط تفتيت وتقسيم وتجزئة ، ويفرضون يمنا واحدا ، ومسارا واحدا وهو أن اليمن سيدحر المرتزقة والعملاء ويسقط المؤامرات وينتصر.
منذ زمن مضى لم يتوقف أمراء وملوك مملكة العدوان السعودية عن رغباتهم الجامحة في الاستيلاء على الجوف وصحراء الربع الخالي ، وقد حاولوا مرارا التهام الأراضي الحدودية ، وعلى وجه أخص المناطق الغنية بالنفط ، وما حدث منذ خمس سنوات هو إعلان رسمي كاشف لتحقيق مشاريعهم الاحتلالية البغيضة والمرتبطة عضويا مع مطامع أمريكية وإماراتية حقيرة ، وترتكز على خلفيات حاقدة ومطامع توسعية ، فالتهام صحراء الربع الخالي والمناطق النفطية في الجوف والمهرة وحضرموت ظل حلما مستحيلا لأمراء وملوك مملكة العدوان…وثانيا ولما تتمتع به الجوف من جغرافيا حاكمة تجمع بين صنعاء وصعدة وعمران ، ولما تمثله من أهمية فقد حولها العدوان إلى خزان بشري من المجندين المرتزقة المجمعين من كل المناطق ، واستخدمها العدوان كذلك مركزا لعملياته التي هدف منها إلى إسقاط الشريط الحدودي والسيطرة عليه ، ولهذه المهمة وتلك أوجد تحالف العدوان خبراء وضباط “سعوديون وأمريكيون وإماراتيون” كانوا يديرون المعارك من المجمع الحكومي للمحافظة إلى ما قبل يومين من استعادة قواتنا لمدينة الحزم في بداية مارس الحالي ، كما جعل منها مركزا لادارة عمليات اسقاط العاصمة صنعاء ، وقد حاول التقدم منها والوصول إلى مناطق متقدمة في صعدة وعمران إلا أنه فشل.
مع عودة محافظة الجوف ومديرياتها إلى سيطرة الدولة ، وتطهيرها مع عاصمتها مدينة “الحزم” التي أخضعت خمس سنوات لأوامر “الضباط السعوديين” ، لا شك أن عمليات القوات المسلحة ستتواصل نحو تطهير محافظة مآرب التي تخضع أيضا لإمرة “ضباط السعوديين” على رأسهم المدعو “عبدالحميد المزيني” ، وقد راهن تحالف العدوان “السعودي الأمريكي الإماراتي” على أن إسقاط الجوف ، ستمنحه السيطرة على كبرى مدن اليمن وعاصمتها صنعاء ، فكانت مركزا للقيادة والعمليات الخاصة بإدارة معركة إسقاط العاصمة ، وهناك أيضاً ما هو على غاية من الأهمية الأمنية والاستراتيجية، ذلك أن استعادة القوات المسلحة للجوف والتوجه نحو تحرير مارب تعني، بكل بساطة ودون طول شرح أن مشروع الكانتونات الانفصالية والأقلمة الذي أراده حلف العدوان مطية لوضع اليد على مناطق النفط والثروة واحتلالها بالقوة وبالإستناد إلى مرسوم التقسيم، بات مستحيل التنفيذ ، فقد وضعتنا عمليات الجيش واللجان الشعبية أمام معطيات جغرافية جديدة تطيح بالأوهام والأحلام وتنسف كل ما آملوه من عدوانهم!