لغة المصالح المتوحشة للسياسة التي تُعرَّف عند البعض بأنها فن الممكن هي المقصود من السياسة في هذا العنوان للتدليل على كونها تتقلب وفق الظروف وترتدي في كل وقت ما يناسبها من أقنعة أوثياب ولهذا سرعان ما ارتدت ثوب (فيروس كورونا) بما يصاحبه اليوم من تغطية إعلامية تثير كثيراً من الجدل لتبدو معها (السياسة) هذا الجاني والمجني عليه في آن أكثر الفيروسات الأخلاقية قدرة على التحول ونهش جسد وروح الإنسان وكل الكائنات الحية !!؛
فكما قضى كورونا على الحدود المصطنعة بين الدول وهَدَم الجدران المقامة ركب فيروس السياسة صهوة الهلع الذي يصنعه الإعلام الموجه وغير الموجه في روح الإنسان وما يخلفه من أثر في حياته ليحوله إلى وسيلة لتغذية النزعات الشعوبية الكامنة والنشطة لتضرب بدايات أحلام الإنسان بنظام عالمي إنساني يحترم التعدد الثقافي والبيئي والسياسي ويستقي من مسيرة تلك الأحلام أجمل ما في الدين والتجارب والعادات والأخلاق ويصنع منها جسوراً قادرة على نقل البشرية إلى مرحلة جديدة تعرف فيها الله حق المعرفة وتبتعد من خلال هذه المعرفة عن كل هذا التوحش المتوثب تحت عنوان السياسة (فن الممكن) يسوم العالم من خلاله سوء العذاب مقروناً بالتضليل والأكاذيب وشرعنة الموت بكل صوره وأشكاله ، فهذا رئيس الدولة العظمى كما تسمى لا يتورع عن إطلاق الأكاذيب ونقضها بأكاذيب جديدة ولو في نفس اليوم بل في نفس اللحظة ، ومثله يفعل كثير من رؤساء الدول الكبيرة أو الصغيرة الغنية أو الفقيرة أو من يطلق عليهم رؤساء، وهم في الأرجح تعساء لبعدهم الواضح عن الإحساس بالمسؤولية الذي يقتضيه هذا الموقع وما يترتب عليه من التزامات تجاه الله وخلقه ، ومثلهم بعض الوزراء وبالذات الخارجية والصحة في مثل هذا الظرف الذي يركبون فيه موجات الأوبئة والظروف القاهرة فيتفننوا في إطلاق تصريحاتهم وأكاذيبهم المناقضة لسلوكهم وأفعالهم لتنتفي بذلك الفوارق بين الفيروس الأخلاقي وباقي الفيروسات حيث تصغر آثارها مهما كبرت أمام فيروس (فن الممكن )!؛
سياسيو اليوم أثبتوا قدرتهم الفائقة على التحول والتلاعب والمتاجرة بمعاناة الناس جرّاء الفيروسات الجينية المعروفة في علم الأحياء وغير المعروفة والتي لا تتكاثر ولكنها تنتقل إلى الكائن الحي إما عن طريق الرذاذ أو اللمس أو أي وسيلة أخرى لتعيش على الغذاء من الجسم الذي انتقلت إليه !!.
والفارق الجوهري بين فيروس فن الممكن وبين الفيروسات الحيوية كفيروس كورونا الذي أعتقد أنه حظي ويحظى بضجة إعلامية غير مسبوقة اختلط فيها الصح بالخطأ والصدق بالكذب ، ما يبقي السياسة والإعلام في المحك الأخلاقي الذي يحتاج الإنسان معه إلى مراجعة قواعده ووضع ميثاق شرف ملزم يحمي ضمير الإنسانية ويرعى مصالحها المشروعة في البقاء والسلام ، ومن الفوارق بين فيروس كورونا وفيروس (فن الممكن ) أن كورونا كباقي الفيروسات الحيوية لا يُرى بالعين المجردة وإنما تُرى نتائج فعله في الكائن الحي ويعمل الإنسان على مكافحتها وتعلن سلطات الدول لذلك حالة الطوارئ ، أما فيروس السياسة أو( فن الممكن ) فإنه يكبر ويصغر يمتد وينكمش بحسب نوعية السياسة والسياسيين ومدى التزامهم بمعايير وقيم محددة من عدمه وهو يعيش ويظهر على شكل مسؤول أضراره ظاهرة ومخفية نمنحه أعلى الدرجات والرتب مقابل ارتكاب مختلف الجرائم بحق الشعوب وتخصص لهم – أي لممثلي هذا الفيروس – ميزانيات للقيام بذلك !!؛
فيروسات فساد فن الممكن هذه التي تتقاسم المواقع لها قدرة على التكيف مع كل المتغيرات وتحويل طاقة الثورات وأحلامها إلى ثورات مضادة بواسطتها سرعان ما يتم إسكات الأصوات المنادية بمكافحة الفساد بل وتتحول المكافحة الجادة المنشودة إلى هيئة أو نشاط ترفع شعار المكافحة أو حتى الحرب إلى نشاط لرعايتها لأنها تقوم على المحاصصة والمخافسة والتقاسم والتوافق وكلها مصطلحات تجافي أي معنى للعدالة وسيادة القانون بل وتطغى لغة المصالح والمفهوم السلبي لسياسة فن الممكن وتبرير هذا السلوك، بل والبهررة فوق من يخالف هذا المنطق خدمة لمؤسسة الفساد التي بنيت على مدى عقود هدفها رعاية مصالح الفاسدين أعضاء هذه المؤسسة لأن الحرب الحقيقية ضد الفساد لو تمت لكانت قدرة الإنسان في العالم مع كل هذا التطور العلمي المادي قادرة على خلق وئام أخلاقي ونفسي يصد كل أنواع التوحش التي تسيء استخدام العلم فتحوِّل سعادة الإنسان به إلى تعاسة، وهذا ما يحكم العالم !!.
ما لي أرى الإنسان يحفرُ قبرهُ
ويحيك من نسج الشعارات الكفنْ