كيف نفهم مصطلح التطبيع في لغتنا الشعبية الدارجة في الأوساط السياسية والشعبية على مستوى تعامل المواطن العربي، بهكذا مدخل طبيعي ينبغي أن تثار وتعمم المفاهيم والمفردات اللُغوية حينما نود أن نلج لمناقشة اخطر قضية عروبية وإنسانية وأخلاقية وحتى دينية عاشها عالمنا العربي وقضيته المركزية فلسطين وعاصمتها القدس مُنذ سبعين عاماً ونيف.
لنعد بالذاكرة الخاملة لدى البعض من العرب بأن فلسطين أرضاً وإنساناً عربية 100 % قبل أن تضع الحرب العالمية أوزارها ونذكر بأن الحركة الصهيونية مُنذ أن عَقد نفر من عتاة مفكري الحركة اليهودية الصهيونية مؤتمرهم الأول في مدينة بازل في سويسرا في 29 أغسطس 1897م بقيادة الصهيوني/ تيودور هرتزل، ولمزيد من تنشيط الذاكرة المتكلسة لدى بعض العرب بأن وعد المستر/ آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطانية المحتلة والمستعمرة لأرض فلسطين كان قبل مائة عام ونيف فحسب أي في العام 1917م، وأن المستعمرين الأوروبيين الطامعين في العرب هم من وضع لنا اتفاقية الحدود والنفوذ من خلال اتفاقية سايكس – بيكو، كل تلك الأحداث والمؤامرات العلنية قد حيكت ضد الأمة العربية الإسلامية في بحر 100 عام فحسب.
إذاً أية ذاكرة يحملها هؤلاء القادة العرب؟!!.
وأية ذاكرة (مخرومة، متهرئة وصدئة) يمتلكها هؤلاء من القادة العربان؟!!.
وما هو الوجه الذي سنقابل بها الله جلّ في عُلاه ونقابل أجيالنا العربية المتلاحقة والتي بطبيعة الحال لن تنسى وطنها وحقها وشرفها وتاريخها تجاه أرض فلسطين المقدسة؟!!.
كثيرة هي التساؤلات وعلامات الاستفهام والاتهام لمن يحاولون تزييف وعينا ووعي أجيالنا القادمة، وحينما نتابع معاً بعض وسائل الإعلام المقروءة والآلة الإعلامية التلفزيونية والمواقع الالكترونية ومنصات التواصل أو التباعد الالكتروني يصاب الإنسان بهالة من الهلع والخوف من تجريف الوعي الإنساني في محيطنا العربي والإسلامي، حينما يتم بعنوة وسذاجة أحياناً لمحاولة قلب الحقائق المُعاشة والمطبقة على الواقع.
لنقترب قليلاً من وقائع ما يحدث من محاولة بائسة من هؤلاء المُطبعين للاقتراب والتصالح مع العدو الصهيوني وجعله صديقاً للعرب بمسلميه ومسيحييه ومنطقهم المتصهين أن هؤلاء اليهود الصهاينة هم أبناء عمومتنا وأن هذه الأرض هي أرضهم وأنهم ظلموا لأزيد من 2000 عام عاشوا في شتات العالم من الشرق وحتى الغرب، وأن البعض من هؤلاء المُطبعين يذهبون بعيداً في تأصيل وجودهم وحقهم في الأرض العربية فلسطين مُنذ زمن بعيد، تصوروا أن هؤلاء المثقوبة ذاكرتهم ولم يعودوا يتذكروا الحق العربي الفلسطيني الذي ضاع بقرار الجمعية العامة التابع للأمم المتحدة رقم 181 والصادر بتاريخ 29نوفمبر1947م.
هذا التاريخ القريب أهملوه وتناسوه ويتذكرون وجود أحقية تاريخية لليهود الصهاينة قبل ألفي عام، هذا هو عقل بعض القادة العرب المصاب بالعطب والمقرون بنفعية انتهازية مُدمرة تجاه القضايا العربية المصيرية تقرباً لحماية عروشها من غضب شعوبها والاحتماء بقياصرة العصر أمريكا.
حينما نسأل وبتلقائية عابره لأي مواطن عربي ومن جميع أقطارنا العربية بشأن القضية الفلسطينية تجدهم يباشروك على الفور بأنهم ضد التطبيع وبأن فلسطين عربية وأن العدو الصهيوني هو العدو الأول للأمة العربية والإسلامية، هذا رأي الشارع العربي ورأي الغالبية الساحقة من القوى السياسية والمدنية في عالمنا العربي، تذكروا معي بأن التطبيع الذي قاده محمد أنور السادات مُنذ 17 سبتمبر 1978م حينما غامر وذهب للكنيست الإسرائيلي ( البرلمان اليهودي الصهيوني ) ليلقي كلمة هناك، أي قبل 42عاما بقيت تلك الاتفاقية الموقعة في كامب ديفيد (محاصرة) بين المكاتب الدبلوماسية والسياسية، أما المواطن العروبي المصري فقد ظل ثابتاً في موقفه ورأيه تجاه الامتناع عن التطبيع مع هذا الكيان الغاصب، مصر قلب الأمة العربية الحي النابض لم يسمح بالتطبيع الشعبي ووقف مثقفوه وعلماؤه وإعلاميوه وكتابه حائط صد لمنع التطبيع المشؤوم، وكذلك الاتفاقية الموقعة بين الكيان الصهيوني والمملكة الأردنية الهاشمية في وادي عربة ظلت محاصرة هي الأخرى بين الدبلوماسيين والسياسيين الرسميين فحسب، وتعثر بل فشل التطبيع الشعبي تماماً.
من خلال متابعة الرأي العام العربي والإسلامي والأجنبي للانحياز الكلي للإدارات الأمريكية إلى جانب الكيان الصهيوني وتحملهم مسؤولية أمن الكيان، تكوّن لدى المواطن العربي الحر اقتناع تام بأن الكيان محمي بدولة عظمى وعضو في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ومع ذلك كان الرأي والموقف العربي الشعبي يقف إلى جانب الأشقاء الفلسطينيين في قضيتهم العادلة، وهذه المعادلة بدأت بالتغير التدريجي منذ أن اعتلى الملك سلمان بن عبدالعزيز كرسي الحكم في المملكة العربية السعودية ومقرباً نجله المدلل محمد بن سلمان لخلافته بعد عمرٍ مديد، من هنا بدأ التغير السريع في تحريف المفاهيم والوقائع تجاه المنطقة برمتها، حيث شنوا حربا عدوانية على اليمن في العام 2015م، وزادوا من عدائهم للجمهورية الإسلامية في إيران، وضاعفوا من دعم القوى الإرهابية في كلٍ من العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والمحاربة العلنية لجميع حركات المقاومة الحقيقية في كلٍ من فلسطين ولبنان والتضييق المالي والسياسي على السلطة الوطنية الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية وقيادة حلف حصار على دولة قطر، والانفتاح التدريجي باتجاه التطبيع مع كيان العدو الصهيوني الإسرائيلي.
التطبيع أخذ شكلاً متدرجاً بدءاً باللقاءات في الندوات والمحافل الدولية مع الأمراء والضباط الأمنيين ورجال المال والأعمال والرياضيين والمسؤولين وانتهاء بالتطبيع الثقافي والرياضي والفني ورفع أعلام الكيان الصهيوني في عدد من المحافل الرياضية والفنية في كلٍ من ابوظبي والدوحة والمنامة ومسقط، أي أن العربان تساقطوا كأحجار الدومينو باتجاه التطبيع، وأن جميع حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية قد سلًمت أمرها لقطار التطبيع غير الأخلاقي مع الكيان المعادي لأمتنا وديننا.
(الخلاصة):
هي كلمات مباشرة وسهلة لجميع العربان الذين قرروا بشكل علني السير في ركاب التطبيع مع عدو الأمة المركزية، كيف سيسامحون ذواتهم على كل الجرائم التي ارتكبها المحتل الغاصب تجاه أهلنا في فلسطين ومصر وسوريا ولبنان والعراق وليبيا وتونس والجزائر وجميع الشهداء الذين سقطوا في رحلة العذاب الإسرائيلي ضد الأمة العربية والإسلامية وحتى المسيحيين منهم؟!!، وللتذكير فقد سقط مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعوقين، وتعرض الملايين منهم للتهجير وتحولوا لاجئين بدون حقوق في جميع بلدان العالم، وتم تعذيب وأسر النساء والأطفال والمجاهدين وزجهم في غياهب سجون دولة الاحتلال، لقد خسروا الأرض والسكن والمقتنيات مَن سيفهم هذه المعادلة أن كنوز الأرض لا تساوي حبة رمل من شواطئ وجبال وسهول أرض فلسطين، وللتذكير أيضاً بأن الأسر الفلسطينية الكريمة لازالوا يحملون مفاتيح منازلهم التي هُجروا منها قسراً ويناضلون ليل نهار مّنذ أزيد من 70 عاما من اجل حق العودة للديار، لا تقولوا لي إننا لازلنا نكتب ونفكر بلغة خشبية قديمة، لا لا لا يا هؤلاء هذه فلسطين عنوان بارز لكرامة الأمة وعزها وفخرها اليوم وغدا وبعد غد وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلسطين وقدسها المقدس والمسجد الأقصى الشريف هي درة الزمان وعنوان شرف الأوطان ومصنع متجدد لأنقى وأشجع الإنسان يا هؤلاء المطبعون، أنتم ستكونون العيب الأسود في وجه الأمة كلها إذا ما واصلتم غيكم وطبّعتم مع هذا الكيان الصهيوني اللقيط المزروع في قلب وطننا الكبير والعظيم ، والله أعلم منا جميعاً.
وفوق كُلّ ذيٍ عِلمٍ عَلِيم