بشكل جليّ وواضح؛ بنيامين نتنياهو في جُملة من المآزق المتعددة الجوانب، من التظاهرات التي باتت مشهداً جعل من تل أبيب بوتقة للأصوات المطالبة بمحاسبة نتنياهو، إلى الرد المتوقع من قبل حزب الله، جراء الغارة الإسرائيلية على ضواحي دمشق، والتي أسفرت عن مقتل عنصر من الحزب، وما بين هذا وذاك، فإن نتنياهو ليس في أفضل حالاته، فالارتباك الواضح بين الفساد والتخوفات من رد حزب الله، يضع نتنياهو أمام معادلة بأبعاد داخلية وخارجية، وعلى الرغم من أن التقديرات تُشير إلى أن حزب الله سيرد بعملية محدودة، تبعث برسالة لإسرائيل من دون إشعال تصعيد كبير، حسبما ذكرت صحيفة “هآرتس”، وستكون شبيهة بقص عناصر الحزب لمقاطع من السياج الحدودي، في نيسان الماضي، رداً على استهداف سيارة جيب تابعة للحزب عند الحدود السورية – اللبنانية، ولاستهداف سيارة إسعاف عسكرية إسرائيلية قرب بلدة “أفيفيم” الحدودية، في أيلول الماضي، رداً على مقتل عنصرين من حزب الله بغارة إسرائيلية في سورية، إلا أن هذه التقديرات تذهب بعيداً لجهة مشهد التظاهرات في اسرائيل، إذ أنه على الرغم من أن هذه التظاهرات ليست بالجديدة، إلا أنها تحمل معادلات مختلفة في المعايير كافة، فهي تظهر أولاً حجم الخلافات المستشرية داخل المجتمع الإسرائيلي، والهوة الواسعة بين شريحة كبيرة من الإسرائيليين ومنظومة الحكم التي يقودها نتنياهو.
في التفاصيل، لا تزال اسرائيل تنتظر رد حزب الله على الغارة الأخيرة ضد سوريا، إذ يحاول الساسة الإسرائيليين أن يضعوا كافة السيناريوهات في إطار الممكن، وعليه تم تقييد حركة الجنود الاسرائيليين، الأمر الذي عكس مدى رعب الجيش الاسرائيلي من الرد، دليل ذلك تُرجم لجهة محاولة القيادات الإسرائيلية الاحتماء بالمجتمع الدولي وتأليبه على “الحزب”، حيث ذكر تقرير صحافي، أن اسرائيل بعثت لحزب الله رسالة تحذيرية عبر الأمم المتحدة، تتعلق بإمكانية رد الحزب على مقتل أحد عناصره في غارة إسرائيلية على مواقع في العاصمة السورية.
بدورها وبحسب المصادر، قامت الأمم المتحدة بإبلاغ الحزب برسالة اسرائيل، والتي جاء فيها أن “إسرائيل لم تكن تعرف بوجود ناشط الحزب علي محسن في الموقع المستهدف ولم تكن تقصد قتله”. ونفت مصادر القناة أن يكون الحزب قد تلقى “أي رسائل إسرائيلية عبر وسطاء دوليين (باستثناء الأمم المتحدة) كروسيا أو غيرها”.
ما يأمله القادة الاسرائيليون هو أن يكون الرد غير موجع ومحدود، وبات واضحاً أن هؤلاء القادة يرتعدون من الانتظار، لأن حالة الاستنفار والتوتر التي يعيشها أقسى من الرد، وتحاول اسرائيل عدم استفزاز الحزب في الاعلام وتحاول تهدئة الامور قدر الامكان، فهم يعلمون بأن أن الرد آت لا محالة، وقال ذلك الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله مراراً وتكراراً وحذر الاسرائيليين من أن أي استهداف لأي من عناصر حزب الله سيقابله رد حتمي، وهذا ما يتضح في سلوك الجيش الاسرائيلي ورئيس أركانه افيف كوخافي الذي اكد خلال جولته شمالاً على الوحدات العسكرية، بضرورة استعداد الجيش لرد محتمل من حزب الله ومطالبة قيادة المنطقة الشمالية بتقليص تحرك القوات على الحدود كي لا تتحول إلى أهداف لحزب الله.
في جانب أخر، تشهد تل أبيب تظاهرات حاشدة منذ أيام ضد رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتانياهو، المتهم بقضايا فساد واحتيال. فيما ستجري جلسات الاستماع إلى الأدلة في كانون الثاني/يناير المقبل.
التظاهرات تظهر صورة نتنياهو كـ”ديكتاتور مستبد”، بعد استخدام مجموعات لمواجهة المتظاهرين واللجوء إلى القوة عبر الزج بالشرطة ونصب الكمائن لقمع الاحتجاجات كما أكدت وسائل إعلام إسرائيليّة، وهو مسار دفع العديد من السياسيين البارزين إلى اتهامه بالدفع نحو حرب أهلية.
صحيفة “المونيتر” كانت رأت في مقال لها، أنّه “لم يسبق لنتنياهو أن كان وحيداً كما هو الآن”، مشيرةً إلى أنّه “لا يزال يظهر بشعبيّة كبيرة، لكنه توقف منذ فترة طويلة عن الاعتماد على إطارٍ استشاري منظم، وعلى بيئة عمل مثالية، وعلى مستشارين عاقلين”.
في النتيجة، يمكننا القول بأن نتنياهو يُعاني من حالة إرباك وقلق على المستويات كافة، وليس لديه القدرة على الهروب إلى الأمام لجهة إشعال حرب ضد حزب الله، خاصة أن الداخل الاسرائيلي لا يُريد أن تتسع حلقة الصراع، ولا يريد أيضاً أن يأخذه نتنياهو إلى حرب شاملة، خاصة أن الأوضاع الاقتصادية في اسرائيل سيئة جداً، جراء تداعيات فيروس كورونا، ولكن رغم ذلك، تبقى العديد من السيناريوهات في إطار الغموض، وعليه تبقى كافة الاحتمالات بين مطرقة التظاهرات الاسرائيلية، وسندان رد حزب الله.