مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، فُرضت مقاربات جديدة تُجاه غالبية ملفات الشرق الأوسط، وتحديداً تلك الملفات ذات الحساسية السياسية المرتفعة، فقد بات واضحاً أنّ السياسات التي يحاول بايدن هندستها حيال ملفات المنطقة، إنما تنطلق من بُعد دبلوماسي، مع محاولات ترميم الشرخ الذي أحدثه دونالد ترامب في ملفات تُعد بوابة لجُملة من الحلول على مستوى المنطقة، نتيجة لذلك، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة تتخذ من الملف اليمني والحرب على اليمن ودعم السعودية صيغًا سياسية جديدة، بُغية التوصل إلى إنهاء هذه الحرب العبثية، خاصة أن التحالف السعودي وخلال سنوات طويلة، لم يتمكن من تحقيق أيّ منجز سياسي أو عسكري، بل على العكس، فقد تمكن الجيش اليمني وجماعة أنصار الله، من إغراق السعودية ومرتزقتها في المستنقع اليمني، وقلب جميع المعادلات الميدانية وتكبيد قوى العدوان السعودي خسائر لا تُعد ولا تُحصى.
وبالتالي، يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ ست سنوات في اليمن، من خلال الحد من التدخلات العسكرية والعودة إلى الدبلوماسية، في محاولة لإنقاذ السعودية وحفظ ماء وجهها، على اعتبار أنها الخزانة المالية للولايات المتحدة الأمريكية، لكن اللافت للنظر أن توجه إدارة بايدن لا يختلف كثيراً عن الاستراتيجية التي تسعى السعودية راهنًا لانتهاجها في اليمن، إذا لم يعد استمرار الحرب يصب في صالحها، خاصة أن الخسائر وعلى المستويات كافة، لم تعد تستطيع الرياض أن تتحملها، لا سيما أن القوات اليمنية باتت قادرة على استهداف العمق السعودي، واستهداف أكثر مناطق المملكة السعودية حيوية وأهمية، ولعل الضربات التي استهدفت محطات أرامكو السعودية، سيكون لها حسابات أُخرى في الاستراتيجيات السعودية وكذا الأمريكية.
في الجوانب المتعلقة بسياسات بايدن الجديدة تُجاه السعودية واليمن، يمكننا القول أنّ تصريحات بايدن عن اليمن تُشير إلى تحوّل كبير في السياسة الأميركية، والخطوة الأبرز في هذا السياق هي وقف الدعم للعمليات العسكرية الواسعة التي تقودها السعودية في اليمن منذ ست سنوات، مع مواصلة الدفاع عن السعودية ضد أي هجمات عليها. وقد أوضح هذا القرار، مقرونًا بتعيين تيموثي لندركينغ، نائب مساعد وزير الخارجية سابقًا لشؤون الخليج العربي، المبعوث الخاص الأميركي إلى اليمن، أن الولايات المتحدة تريد رفع وتيرة المسار الدبلوماسي لإنهاء الحرب، وقد شكّل إبطال القرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية السابقة بإدراج جماعة الحوثيين ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، خطوةً ضرورية نحو تمهيد الطريق لجهود المفاوضات مع الجماعة.
لكن في مقابل ذلك، يبدو أن السعودية لا تزال تُكابر، واللافت هو أن السعودية بدت متحفّظة في موقفها من القرارات الأمريكية الجديدة، واكتفت بالترحيب بتعزيز التعاون الدفاعي وبتعيين المبعوث الأميركي، وتوقع البعض من الرياض رد فعل قاسي تعبيرًا عن الاستهجان من جو بايدن وقراراته، ولا سيما إزاء قرار وقف الدعم العسكري الأميركي للعمليات الهجومية السعودية، ولكنْ ثمة أسباب عدّة ربما دفعت بالسعوديين إلى التروّي، يمكن ايجازها بالآتي، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ السعودية حقيقيةً باتت بين فكي كماشة أحد أطرافها الانتصارات اليمينية، والطرف الآخر يتمثل في قرارات بايدن الصادمة حيال ضرورة وقف الحرب على اليمن، وإيقاف الدعم السعودي لها.
أولاً- السعودية وخلال سنوات الحرب على اليمن، باتت التكاليف الاقتصادية والإنسانية والسياسية مرتفعة جدًّا بحيث لم يعد بالإمكان تحمّلها، ولا سيما بعد تفشّي جائحة كورونا. ونظرًا إلى هذه الأكلاف والإخفاقات المتعاقبة في تحقيق أي انتصار على الحوثيين، تحاول السعودية استثمار القرار الأمريكي المتعلق بإيقاف الحرب على اليمن، في محاولة لإضعاف القوات اليمنية وجماعة أنصار الله.
ثانياً- تُركّز الرؤية السعودية الحالية على إضعاف الحوثيين بدلًا من إلحاق الهزيمة بهم، وقد ترجمت هذه الرؤية عبر ما أسمته بمبادرة السلام السعودية والتي تهدف فقط إلى أن تكون بمثابة لعبة دعائية بطلب من الإدارة الأمريكية الجديدة التي تسعى لتخفيف الضغط الدولي على الرياض عشية العام السابع من الحرب، والتظاهر بالاستعداد لحل سياسي للأزمة اليمنية.
ثالثاً- في الواقع أن السعودية والإدارة الأمريكية الجديدة رغم معرفتهما أن صنعاء لن تتخلى عن استمرار مثل هذه الهجمات الرادعة في عمق الأراضي السعودية، واستمرار التقدم نحو محافظة مأرب الاستراتيجية، فإن السعودية تعمل على خطٍ موازٍ يتمثل في استمرار البحث عن مبادرات سياسية لا تُقدم ولا تأخر، وإنما تحاول السعودية أن تتخذ وضعية المناورة السياسية والإعلامية لخداع الرأي العام الدولي في قضية معارضة ارساء السلام في اليمن.
رابعًا- من المهم أن نُذكر، بأن أداء إدارة بايدن بشأن الأزمة اليمنية، يرتكز على الشعارات الخادعة حول ضرورة إنهاء الحرب اليمنية، لكن البيت الأبيض لم يمارس أي ضغوط جدية على الرياض لإنهاء العدوان والحصار، وان طلب وقف إطلاق النار من جانب صنعاء هو فقط يصب في مصلحة السعودية لتجاوز الأزمة الحالية في محافظة مأرب.
في المحصلة، يبدو واضحًا أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن وكذا السعودية، فإن كلاهما في مأزق حقيقي تُجاه تداعيات حرب اليمن، لكن وعلى اعتبار أن الولايات المتحدة هي عرابة الحرب اليمينة، وعلى اعتبار أن السعودية أخفقت في إنهاء هذه الحرب، نتيجة صمود الشعب اليمني والانتصارات المتتالية التي كسرت الشوكة السعودية، فمن الممكن أن تعمل الولايات المتحدة أقلّه على التهدئة، وربما تؤدّي دورًا أكبر في حال امتلكت استراتيجية شاملة وواضحة تأخذ في الاعتبار تحركات الأفرقاء المختلفين في الحرب، خاصة أن الحوثيون حققوا بالحرب والمواجهات العديد من التقدمات، ومن غير المرجّح أن يقبلوا بأي اتفاق لا يتضمن انسحابًا كاملاً لقوات التحالف بقيادة السعودية من كافة الأراضي اليمنية، فضلًا عن عدم الموافقة على تقاسيم اليمن إلى مناطق نفوذ سعودية أو إماراتية، وبصورة أعمق، فإن المنتصر في أي حرب هو الذي يضع شروطه، وبالتالي فإن الجيش اليمني وجماعة أنصار الله ستكون لهم الغلبة في أي صيغة نهائية لهذه الحرب التي شُنت ظُلمًا وعدوانًا على اليمن واليمنين.
* المصدر : رأي اليوم