امتدت يد الغدر والعدوان بالأمس لتغتال السياسي والمفكر والوزير الأستاذ حسن محمد زيد – وزير الشباب والرياضة، أمين عام حزب الحق والرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك، تعد الحادثة واحدة من بين عشرات جرائم الاغتيال ذات الطابع السياسي التي طالت شخصيات وطنية بهذا الحجم الوازن، والتأثير الكبير، بصمات القاتل ورصاصاته دليل عليه، والأمر مكشوف ومفضوح منذ ديسمبر 2017/م، حينما وضع النظام السعودي المجرم قائمة بعدد من الشخصيات والقيادات أعلن نيته استهدافها، ورصد لاغتيالها وتصفيتها مكافآت مالية.
في المحصلة وقبل الحديث، فإنّا أمام اغتيال الأستاذ حسن محمد زيد، نقول فقدنا رجلاً مفكراً وسياسياً وازناً ومعتدلاً وتنويرياً، كان حاسماً ومبدئياً، وخصماً شرساً في المقارعة السياسية للهيمنة والطغيان السعودي، كان بلا شك أكثر قدرة وبراعة في صياغة الموقف السياسي وبلورته وموضعته وتقديمه بخطاب هادئ وبارع، ورقماً صعباً في الحياة السياسية والحزبية اليمنية.
كان الأستاذ حسن زيد شجاعاً وجريئاً في مواقفه، وكان متمكنا في تدوير الزوايا والبحث عن المخارج والحلول يمسك بالمشتركات ويتغاضى عن نقاط الخلاف، لم تكن تثنيه حملات التحريض والإرهاب والتبخيس والتبكيت عن مواقفه، فقد كان صلباً في ما يعتبره مبدئياً ومقدساً، ومرناً في مواضع أخرى، لم يمارس الغوغائية ولا السفاهة كمثل كثيرين من السياسيين من أبناء جيله وعصره ممن انتهى بهم المطاف في عواصم العدوان والمؤامرات التاريخية ، لقد كان باحثاً وفقيهاً وسياسياً وعالماً، وكان وطني الموقف والانتماء ، فهو رغم موقفه الواضح والصريح ضد المرتزقة والعدوان السعودي الذي يعتبره امتداداً لعداوة تاريخية متأصلة لدى أسرة آل سعود التي تناصب لليمن العداء، إلا أنه ظل محتفظاً بعلاقات وتواصلات واسعة مع شخصيات من مختلف الأطراف اليمنية.
من له مصلحة في اغتيال الشهيد حسن محمد زيد! سؤال جوابه معلوم سلفاً… من قرر تصفية الوزير الشهيد، بالتأكيد هو صاحب المصلحة نفسه، من وضعه على قائمة الأهداف وضمن قائمة أعلن نيته تصفيتها، ورصد لتحقيق ذلك مكافآت مالية، هو القاتل وهو صاحب المصلحة في تغييب هامة وطنية بحجم حسن زيد، الأستاذ حسن زيد وضعه النظام السعودي ضمن قائمة أعلن استهدافها ورصد لتصفيته مكافأة مالية بعشرة ملايين دولار، من خلال تفاصيل الجريمة والرصاص الكثيف الذي أطلق على جسد الأستاذ حسن زيد، يتضح بأن الجريمة ارتُكبت عن سابق إصرار وترصُّد وقرار، ورصد ومتابعة، يتضح أن للعملية هدفاً واحداً يتمثل في تصفية وإعدام الأستاذ حسن زيد، وقد تأكد القتلة أن عشرين طلقة كافية للقضاء عليه وتصفيته، من قرر إعدام حسن زيد هو النظام السعودي القاتل بالتأكيد، أما الأداة التي نفذت تبقى مهمة الأجهزة الأمنية التي ننتظر منها كشف المنفذين والقبض عليهم.
يعد الأستاذ حسن محمد زيد واحداً من المفكرين السياسيين في اليمن، وواحداً من أهم قادة العمل الحزبي من جيل العمل الوطني الذين واجهوا الهيمنة السعودية على اليمن، إضافة إلى تصديه للمد الوهابي الذي اجتاح اليمن منذ سبعينيات القرن الماضي، ولهذا السبب تعرض منذ وقت مبكر لموجة الحملات التكفيرية الوهابية التي كانت برعاية من نظام آل سعود، ووضعت صورته في واجهات صحف ومواقع وتلفزيونات التكفير والإرهاب الوهابي السعودي، وامتداداته في اليمن وخارجها، ولهم خصومات طويلة مع الوزير الشهيد .
برز في المرحلة الانتقالية كأحد الأطراف الفاعلة في المعادلة السياسية، فقد كان رقماً بمفرده وطرفاً في معادلة سياسية خلال الفترة الانتقالية التي بدأت في العام 2011، فاعلية زيد سياسياً وإعلامياً وحتى فكرياً صبغته بتميز نادر، متمتعاً بحضور وكاريزما نادرة وفي كل مراحله كان هدفاً للتحريض الوهابي والتكفيري الإخواني، اتزان زيد وأفكاره التنويرية والمعتدلة لا تشبه – سياسياً – أحداً.
لعلنا لا نستطيع الإلمام بسيرة الشهيد كلها، فهو صاحب تاريخ طويل في السياسة والنضال والعمل الحزبي والوطني، هو صاحب مواقف مبدئية في كل مراحل حياته السياسية، في لقاء أخير أجرته الثورة مع الشهيد قال: “كنت أحد الموقعين على المبادرة الخليجية التي كرست الوصاية على اليمن رسمياً”، كان أحد الموقعين على المبادرة ولم يكن أحد الفاعلين سياسيا في ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر فحسب، بل واحداً ممن صاغوا مشروعها الوطني، وصفها بأنها حررت الأحزاب والسياسيين في اليمن من الهيمنة الخارجية وأعادت ثقة الإنسان اليمني بنفسه.
لم يفوت الشهيد في لقائه الأخير مع الثورة التطرق إلى عداء آل سعود الطويل مع اليمن، فقد ذكر أن اغتيال السعودية للرئيس الحمدي وغيره من الوطنيين كان الهدف منه فرض الوصاية على اليمن ..، ولا شك بأن من قتل الحمدي وغيره من الوطنيين، ومن رصد مكافأة عشرة ملايين دولار لمن يأتي بحسن زيد يقف وراء الجريمة، فالشهيد ممن خاض معارك طويلة لتحرير القرار السياسي من السطوة السعودية، وواجهها بتاريخ مشرف.
العدوان عاجز وجبان، وبالتأكيد يبحث عن أي إنجاز سهل، يعجز العدوان عن كل شيء بعد ما تحقق لنا كشعب يمني من منعة وعزة، لكن التصيد لحسن زيد كان سهلاً هذه المرة، فالوزير أعزل يذهب ويعود من وإلى عمله بلا حماية، وتلك ثغرة سهلة جداً للوصول إليه واغتياله، تلك الأحقاد الإلكترونية التي تابعناها بالأمس متشفية ومتباهية هي أشباح للقاتل مستأجرة، قد لا يعرف أحدنا متى تنقضّ عليه في لحظة ارتخاء وركون وتنفذ فعلتها، وقبل وقوع الفأس يجب التوخي وإبقاء السلاح رفيقاً لحلنا وترحالنا…والسلام على الشهيد الراحل إلى ربه.