تتواتر الأخبار التي تتحدث عن هروب قيادات إخوانية من الرياض , قد يكون الهروب متزامنا أو سابقا لبيان هيئة علماء السعودية في اعتبار الإخوان جماعة إرهابية .
سياسيا ووفق ما تسرب من مراسلات وبالبناء على المعلومات التي أمر الرئيس الأمريكي ترامب بنشرها في وقت سابق وهي تشير إلى التعاون الاستراتيجي بين الإدارة الأمريكية وحركة الإخوان العالمية في تعميم الفوضى في المجتمعات العربية للوصول إلى مرحلة فشل الدولة وتغذية فكرة التوحش كهوية إسلامية للوصول إلى قناعة الرأي العام العالمي في التهديد الفعلي الذي يشكله الإسلام على الحضارة المعاصرة الأمر الذي يفرض على الدول المتحضرة فرض ثنائية الهيمنة والخضوع على العرب والمسلمين، وقد رأينا رموز ومؤشرات ذلك في التعاطي مع قضايا الصراع والانقسامات والحروب في العراق وفي سوريا وفي ليبيا وفي اليمن , حتى إيطاليا تعود إلى فرض وصايتها في ليبيا وكان لها نشاط سياسي خلال عام 2020م لمن كان متابعا لمجريات الأحداث , ثم كان تفجير مرفأ بيروت ورأينا فرنسا كيف تداعت من باريس إلى بيروت وكان نشاط الرئيس الفرنسي مثيراً للشك والريبة .
هذه الظلال الكثيف من المعاني والرموز التي يبعثها الواقع مؤيدا بالكثير من الحقائق التي عشنا تفاصيلها في الأزمة السياسية التي تجاوزت العقد من الزمان ليس له من معنى إلا أن أمريكا التي رأت في الإخوان مطية لبلوغ أهدافها قد وصلت إلى قناعة إنهاء خدمة الإخوان في اليمن , فالسعودية كما نعلم لا يمكن أن تقدم على خطوة تقليم أظافر الإخوان وزجهم في السجون المظلمة ثم إصدار بيان يمثل المؤسسة الدينية الوهابية دون أن يكون ذلك برغبة أمريكية فهي لا تملك قرارا بالمطلق حتى قرار إعلان الحرب على اليمن أعلنه سفير السعودية من واشنطن ومثّل ذلك سابقة غير معهودة في العرف الدولي فقرار الحرب يعلنه وزير الدفاع وليس السفراء كما هو متعارف عليه .
وليس بمستغربٍ على أولئك الذين ذهبوا إلى الرياض وباركوا العدوان السعودي على اليمن النهايات المحزنة – وإن كنا ننكر عليهم ذلك أخلاقياً – إذ ليس معهوداً في البناءات الأيديولوجية لبعض القوى التي تحالفت مع الإخوان كالحركة اليسارية والحركة القومية أن تجدا نفسيهما في حالة تماهٍ مع الرجعية العربية بكل أشكالها وتجلياتها بعد أن كان موقفهما التاريخي جلياً بل وصل إلى حد الصدام المسلح وحد التفكيك النظري والثقافي وكانا في خطين متوازيين لا يلتقيان عند نقطة بعينها، ووصول رموز الحركة القومية واليسارية إلى حالة التماهي مع الرجعية العربية -والرجعية مصطلح يساري قومي – يحمل دلالة النكوص والثبات في المشروع السياسي وفي البعد النظري للحركتين ذلك أنهما كانا ضرورة اجتماعية وسياسية إبان عصر النهضة العربية وظل الثبات في الموقف والنظرية معيقاً للحالة التفاعلية لهما ثم جاءت أحداث 2011م لتسقط آخر معاقلهم بعد أن ظلاّ ردحاً من الزمن في حالة تفاعلية وجودية في المشهد السياسي العربي..
وفي اليمن يمكن أن يقال إن البراجماتية كانت هي الملاذ الأخير لرموز الحركة اليسارية والقومية وكان مؤتمر الرياض هو خيمة العزاء ولحظة الوداع الأخيرة وقد قرأنا قسمات الحزن وحالة الانكسار في قسمات الوجوه التي حضرت وباركت تدمير اليمن في مقابل دراهم معدودات لم توفر لهم وطنا بديلا بعد أن نبذهم النظام السعودي وها هو اليوم يقتلع شجرة وجودهم بالمطلق.
هؤلاء «الرغاليون» الجدد في التاريخ اليمني المعاصر كتبوا النهايات لأنفسهم وكان مؤتمرهم في الرياض هو قصيدة الرثاء الأخيرة , إذ أن الذائقة اليمنية الوطنية لن تستسيغ عمالتهم أو خيانتهم وستظل اللعنات تلاحقهم، فاليمن هو الغالب على أمره وهو المسيطر على مفردات المستقبل ولا أظن قراءتهم لمعادلة القوة كانت صائبة لأنهم غفلوا كل الغفلة عن قانون التاريخ وعن طبيعة الأشياء وعن سنن الله، فذهب بهم الوهم إلى قدرة الرياض على تمكينهم من السلطة في اليمن بالطائرات وبالمظاهر المادية وبالقنابل الفراغية والصواريخ والأسلحة المحرمة دولياً وقد ظنوا وظنت الرياض معهم أن الأمر لن يتجاوز الأيام العشرة الأولى وها هو يدخل في العام السادس دون أن يرجع المرسلون , وقد كشفوا عن سيقانهم في الصروح الممردة وكانت الفضائح هي حظهم وكان الفساد في التعامل مع العالقين والمساعدات الإنسانية في جيبوتي وفي نهب الأموال والثروة الوطنية هي ديدنهم ولن تكون الخاتمة إلا كما هي عند النماذج التاريخية، فالوطن الذي خانوه لن يقبلهم والوطن الذي اتخذوه بديلاً وعملوا لحسابه وساندوه في التدمير والقتل والإبادة لن يقبلهم وقد طردهم من أراضيه .
لا أظن حكام المملكة درسوا الأثر المترتب لعدوانهم على اليمن على مجتمعهم والبناءات المختلفة وعلى القانون الطبيعي وهو يشهد انهياراً متسارعاً ومثل ذلك سيكون أثره على مستقبل الدولة الأسرية السعودية أثراً مدمراً، فالدولة السعودية، وهي دولة طارئة وغير متناغمة وتجد تضاداً مع المكونات البنائية لها- لن يطول بها الأمد في المستقبل فقد بلغت كمالها وهي في طور النقصان.
ولا عزاء للعملاء من ساسة اليمن فقد تمايزوا واختاروا طريقهم ونهايتهم وفي ذلك الخير كله لمستقبل اليمن.