تهون كل التضحيات ما دامت في سبيل الوطن ومن أجل حريته وكرامته، وصون سيادته واستقلاله، وهذا ما يجعل الآلاف من (الموظفين) متفهمين حقيقة الأزمة الاقتصادية، وتداعيات الحرب والحصار والعدوان على اليمن، التي أدت إلى توقف رواتبهم منذ أشهر .
وبالإضافة إلى هذا الفهم والتفهم، نجد أن الآلاف أيضاً حرصوا ولا يزالون على الالتزام بالعمل والدوام وتقديم ما أمكن من خدمات، والتخفيف من معاناة المواطنين بشكل عام، وللحفاظ على مؤسسات الدولة من التلاشي والانهيار على نحو أخص. ويشكل هذا الدور عاملاً مضافاً من عوامل الصمود الوطني في مواجهة العدوان، مع قناعتي أن لا شيء يوازي تضحيات من يجودون بأرواحهم دفاعاً عن هذا الوطن.
بيد أن كرامة الوطن غير منفصلة عن كرامة المواطن، فالآلاف من الموظفين الصامدين في مواقعهم الخدمية والإدارية، ولا يجدون دخلاً آخر غير الراتب الذي توقف لعوامل كثيرة معروفة، ما يزالون ينتظرون لفته جادة وحقيقية من قبل حكومة الإنقاذ تضع حداً لمعاناتهم أو التخفيف عنهم بقدر المستطاع .
وأيا كانت المبررات التي تضعها الحكومة، فإن ذلك لا يعفيها من مسؤوليتها تجاه الموظفين والعاملين بالجهاز الإداري للدولة، وهي مسؤولية وطنية وأخلاقية لا يمكن القفز عليها بدواعي أولوية مواجهة العدوان، ذلك أن تحالف العدوان نفسه يراهن على الورقة الاقتصادية وينتظر مفاعيلها، ولاشك أن لصمود موظفي الجهاز الحكومي دوراً كبيراً في صمود بقية الجبهات، ولعل هذا الصمود كان آخر ما يتوقعه العدوان الذي اعتقد ولا يزال أن المال وحده كفيل بالحسم أياً كان نوعه.
يستحق كل الموظفين الصامدين في المؤسسات وأروقة الوزارات في العاصمة والمحافظات الشكر والتقدير، ولا ينبغي أن يقابل أنينهم الذي يعبر عن وجع يومي يكابدونه وأسرهم، بالتجاهل والتخوين، لمجرد أن أصوات نشاز تعمل على توجيه هذه المعاناة الى المكان الخطأ، فالله عز وجل يقول مخاطباً نبيه الكريم : ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)) .
على حكومة الإنقاذ – هكذا أسمها على الأقل – أن تعمل باتجاه إنقاذ ما يمكن إنقاذه ،ولتكن خطواتها في هذا الجانب مدروسة ومعلنة على نحو شفاف، خاصة أن تسريبات ومناكفات إعلامية متوالية، توحي بوجود فساد مالي في هذه الوزارة أو تلك، بينما الموظف – المواطن، يجد نفسه وحيداً في مساحة مقارعة الحصار والأزمة الاقتصادية.