لم تَعُدْ الإجراءات التعسفية التي يقوم بها تحالف العدوان السعودي الأمريكي في البحر تصنف إلا كجرائم قرصنة وإرهاب دولي موصوف ، تمارسه البحرية السعودية والأمريكية المتواجدة في المياه الإقليمية اليمنية على مرأى ومسمع من المبعوث الأممي والأمم المتحدة وموظفيها وأمينها العام ، وبمباركة الدول الأطلسية التي يعمل سفراؤها على تغطية الجريمة التي تهدد الملايين من اليمنيين جوعا ، على أن ما يجب على هذه الدول ومعها الأمم المتحدة معرفته هو أن استمرار القرصنة للسفن واحتجازها وسحبها إلى الموانئ السعودية لفترات طويلة بهدف مفاقمة معاناة المدنيين- من خلال التأزيم ومضاعفة الغرامات وتكاليف الشحن والتأمين التي تنعكس على حياة المدنيين في شكل أزمات متواصلة إضافة إلى استمرار الأسعار مرتفعة للمشتقات- لن تحقق للعدوان التحالفي أهدافه ومراميه الخبيثة.
الجريمة متمادية ومستمرة وفصولها تتواصل كل ساعة وليلة ويوم ، ومع ذلك لم يعد يخجل المبعوث مارتن غريفيث وهو يمارس دورا تضليليا إزاءها بل ويتواطأ ويغطي على أفظع جرائم العصر الحديث ، ويعمل على منح الذرائع لما يقوم به التحالف من قرصنة وإرهاب ، فما تجرأ على احتجاز السفينة “بندج فكتوري” لفترة تصل إلى 10 أشهر ، إلا بعد أن قام مارتن غريفيث بتقديم مشروع بديل للحل الذي تضمنه اتفاق السويد بشأن الحصار والمرتبات ، متواطئا ومشتركا في الجريمة الأشد على حياة المدنيين.
يعرف المبعوث الأممي أن السلوك الذي يتبعه لم يعد محترما وأن القفز على القضايا والملفات الإنسانية التي تمس حياة الشعب اليمني وتلحق أضرارا بالغة بحياته المعيشية يعد سلوكا غير محترم ولا نزيه ، وأن صور الأطفال الذين لم يعد في أجسادهم سوى العظام والجلد، وتذكرنا بالمجاعات الأفريقية نهاية القرن الفائت، لم تفبرك لاستعطاف أحد أو لتحقيق مكاسب من أحد ، بل تجسد الواقع المأساوي الذي يعيشه أطفال اليمن إذ يأتي معظمهم مهددين بالموت.
يقوم تحالف العدوان بحجز وقرصنة سفن الوقود والسلع الأساسية ويمنعها من بلوغ المدنيين في اليمن ، متعمدا تعريض الملايين للجوع والأوبئة والأمراض والموت ، فيما يتصرّف مارتن غريفيث بنرجسية ووحشية حيث لم يعد يرى شيئا إلا صورته المتضخمة التي يعتقد بأنها مركز الكون ،..
ويعمل وفق سلوك غير مهني ولا إنساني ولا محايد يسهم بذلك في تعريض شعب بالملايين للموت جوعا وحصارا ويتواطأ ويضلل ويحشد الذرائع للمجرمين.
هناك قواعد وقوانين وهناك أعراف وهناك شرائع لابد لها أن تحمي المدنيين في اليمن من سواطير الحصار وتنزع مخالب المستأسدين عليه طال الحصار أم قصر ، ولكننا نسأل المبعوث غريفيث.. ألم يخطر في بالك أن طفلك أو أطفالك قد يقعون في حصار مشابه ويصبحون عظاما لا تغطيها إلا الجلود الرقيقة؟
نحن لا نتجنى على مارتن غريفيث ولا نود الحديث عنه ، لكن سلوكه التضليلي بالصمت والتواطؤ تجاه الحصار والقرصنة السعودية للسفن يساهم في تهديد الملايين من اليمنيين أطفالا ونساء وشيوخا بالموت جوعا ، نحن لا نريد أن نذكّر المبعوث الأممي بأن مطار صنعاء الدولي ما يزال مقفلا في وجوه مئات الآلاف من المرضى المحتاجين لسفر عاجل بل أن نخبره بأن أكثر من 40 ألف مريض بأمراض مستعصية قد ماتوا خلال العامين الماضيين لأنهم لم يجدوا مطارا مفتوحا في صنعاء يسافرون عبره للعلاج في الخارج ، لا نحب أن نذكره بالمختطفة سميرة مارش التي وعد بإطلاقها مرارا وتكرارا وكذب في وعوده تلك ، ولا نودّ إثارته بأن المرتبات التي وعد مرارا بحل مشكلتها ما تزال مسروقة ومنهوبة لدى مرتزقة العدوان في عدن ، وأن نصف المرتب الذي كانت تصرفه صنعاء قد توقف إثر خطته البديلة لاتفاق السويد التي قضى بها على ما كان يتوفر من موارد شهريا من جمركة سفن النفط الواصلة إلى ميناء الحديدة ، فهي اليوم تذهب تكاليف وغرامات تأخير “ديمرج” للسفن المستأجرة التي تخضع للاحتجاز والقرصنة لأشهر.
لا نعتقد أنها تغيب عن المبعوث هذه القضايا والحقائق القاسية والمؤلمة ، ولا أنه بهذا الصمت وبالتضليل والتعويم للقضايا المصيرية والقفز على الملفات الإنسانية يلتزم الحياد والنزاهة ، نحن لا نريد منه أن يجبر تحالف العدوان والحصار بالكف عن الجرائم والقرصنة والإرهاب فهذا ليس بمقدوره ، لكنا نطالبه بأن يقوم بدوره ومن موقعه باتخاذ مواقف نزيهة إزاء جرائم القرصنة والحصار ومنع الوقود والدواء والغذاء من الوصول إلى المدنيين في اليمن ، فهذه جرائم تقتضي أن يتم إحالتها إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات على المجرمين ، لكونهم يرتكبون جرائم ضد الإنسانية ، كما أن استمرار الحصار والقرصنة والإرهاب فيه خطر على أمن البحر الأحمر ولا شك أن الأمم المتحدة تعي مخاطر الوصول إلى هذه المرحلة.
ما يحتاجه المبعوث هو الوقوف الجاد والالتزام بمبادئ المنظمة الدولية ، وأن ينجز ما كان مفترض عليه انجازه مما اتفقت عليه الأطراف في السويد ، وأن بإمكانه الاحتفاظ بمواقفه وانحيازاته ، لكن ليس من حقه أن يكون شريكا في جريمة الحصار والقرصنة التي يمارسها تحالف العدوان ، ولا أن يسلك طرقا يرسمها التحالف العدواني ذاته ، ففي ذلك إساءة لدوره ودور الأمم المتحدة وتجيير للمنظمة لما يتناقض مع المبادئ التي أنشئت لأجلها.