|
القاتل الذي نمضغ أغصانه ليمضغ أرواحنا!
بقلم/ عبدالعزيز البغدادي
نشر منذ: 3 سنوات و 9 أشهر و 18 يوماً الثلاثاء 02 فبراير-شباط 2021 09:03 م
من البديهيات أن الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها، وبناؤه يبدأ بدراسة: بنيته الجسدية والنفسية، مستوى ذكائه، مؤهلاته، ودراسة كل أحواله، ومعوقات البناء، وكيفية التخلص منها ليبقى في وضع طبيعي يستفيد ويُستفاد منه في عملية التنمية حسب طاقته وموهبته وقدرته على العطاء .
والإنسان اليمني معروف ماضياً وحاضراً وبإذن الله مستقبلاً بكونه على درجة عالية من القوة والذكاء ليس بناءً على توصيف عاطفي متعصب وإنما بشهادات باحثين محايدين ، والتاريخ مليء بالأدلة ، ولا تزال آثار حضارته الإنسانية القائمة على التعاون شاهداً حياً رغم ما تعرضت له من حملات التدمير عبر مئات السنين ، ويكفي الإشارة إلى الجانب الزراعي وبناء السدود حيث تبدو المقارنة صادمة بين ما صنعه قُدامى اليمنيين وما هم عليه اليوم ، ومثال ذلك خطط ما يمثله سد مأرب الجديد إلى جوار السد القديم من عدوانية إما نتيجة غباء لما يشكله من مخاطر طمس معالم هندسة السد التاريخي لعدم توافر شروط السد الحقيقي في السد الجديد وفق مواصفات ومعايير بناء السدود الحديثة أو أن ذلك متعمد، وقد قُلصت وظائف ومواصفات السد الجديد بعد نجاح العصابات المحلية والدولية في اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الذي كان لشخصيته وعلاقته المميزة مع دول الخليج أثره الواضح في اعتماد كثير من المشاريع رغم ما كانت تحيكه أغلبها من مؤامرات ضد اليمن والحمدي شخصياً, ومن ذلك علاقته مع الشيخ زايد بن سلطان الذي وجه ببناء السد ثم جرى التسريع واختصار مراحل من البناء وإلغاء أخرى كانت مقررة ليتحول المشروع كالعادة إلى مادة إعلامية بدلاً من مشروع تنموي من ضمن فوائده إنتاج الطاقة ، اليمنيون القدامى بنوا مئات السدود في أنحاء متفرقة من السلسلة الجبلية اليمنية التي تشمل نجران وجيزان وعسير ، ومن المقارنة الأكثر مدعاة للأسى مقارنة ما بنوه من مدرجات زراعية شيدوها بروح تعاونية مميزة كانت إلى السبعينيات وأوائل الثمانينات موضع إعجاب ودراسة محلية وعربية ودولية .
نقل اليمنيون الأوائل الأحجار الضخمة على ظهورهم وأكتافهم وما تيسر لهم من حيوانات لمسافات بعيدة ووعرة ليبنوا القصور والمدرجات الزراعية على أشكال وبتخطيط يتناسب مع المكان ليبدوا وكأنه هكذا خُلق ، بينما أحفادهم يقفون اليوم مكتوفي الأيدي خائرين أمام جزء من جدار انهار بفعل السيول ، و يستبدلونه أحياناً بالبلك غير مكترثين بالفارق الوظيفي والجمالي وما يخلقه فعلهم من نشاز ؛
ومن يبحث عن الأسباب لن يذهب بعيداً عن أهم عامل مسَّ قدرة الإنسان اليمني الهائلة وهو (القات) حيث وقع جزء كبير من هذا الشعب الطيب أسيرا لمضغ هذه الشجرة مستسلماً لعصابات تجار السموم والمبيدات التي فتح لها جار السوء (السعودية) حدوده المغلقة أمام كل نسمة حياة لتستقبل أخطر هذه السموم بسهولة ويسر ومنها الإسرائيلية التي يقول مختصون بأنها أخطر أنواع السموم في العالم ، وتبين الأحداث أنها صنعت بعناية لاستهداف حياة اليمنيين كشكل من أشكال الحروب القذرة مستخدمين مافيا المتنفذين كأخطر غزو للقضاء على عوامل قوة اليمني المعروف بقدراته ونشاطه وذكائه ليتحول إلى ما يشبه الإنسان (الطيف) المرتهنة حياته بكل تفاصيلها للقات المحقون بهذه السموم ، يأكل بدون شهية كي يقوى على تذوق القات ويتحرك كي يطعمه باللهجة الصنعانية (يحرك حرارة) ويبني الطيرمانات ( تسمية تركية للأماكن المرتفعة ) الشبيهة بأماكن الطيور يمضغ فيها القات ليعيش في خيال مريض .
عند بناء منزله يخصص أفضل الأماكن لاستقبال المخزنين، يمارس الرشوة ويسميها حق القات !، يعمل ساعة في الوظيفة وساعات بحثاً عن القات ويقضي ساعات مخزناً يتحدث عن ساعة العمل !، باختصار أصبح القات يتحكم في تفاصيل حياة اليمنيين ما يعني أنه صار قضية بحاجة لثورة حقيقية لمواجهتها كي يعيد الإنسان اليمني إنتاج وجوده وكيانه في عالم اليوم.
وبدون مبالغة لولا القات لما تجرأ أعراب العدوان اليوم على اختطاف شخص يسمونه ممثل الشرعية ولما تمكنوا من الاستيلاء على سواحل اليمن الشرقية وأغلب الغربية بتعاون بعض المعتوهين المدمنين على السموم والمخدرات !،
بداية الثمانينات شهدت اليمن محاولات جادة رسمية قادها الأستاذ محسن العيني في إدراك ما تشكله هذه الشجرة من خطورة على عقل وجسد الإنسان اليمني وظهرت بعض مبادرات المجتمع المدني مثلما قامت به مؤسسة العفيف الثقافية قبل أن تُغلق ومنظمة يمن بلا قات ومبادرات جديدة منها ما تقوم به مؤسسة النجاة للتوعية بأضرار القات (NFQEA) ، وذهبت منظمة الصحة العالمية إلى أن تعاطي القات في اليمن بدأ صفحة جديدة من الخطورة حيث أصبح يُفرز مع لبن الأم كما أشار إلى ذلك تقرير ل: لين المجاهد على محرك جوجل ، ورغم أن بعض الأبحاث تصل إلى نتيجة مؤداها أن القات مادة منبهة لا تؤدي للإدمان وليست مخدرة إلا أن هناك مؤشرات تؤكد أن المواد التي يحقن بها القات تحوله الى مادة قاتلة خطورتها أكثر من المُخدرات !
وما يحقن به القات صارت جزءا من تكوين التربة ويدخل في كل المنتجات الزراعية ما يعني أن أرض اليمن الزراعية في خطر محقق!
ما يستدعي وبسرعة تضافر الجهود الشعبية والرسمية للقيام بثورة حقيقية هدفها استعادة قوة الإنسان وكرامته ليقوى على استعادة حريته مما ينخر روحه وجسده أولاً؛
أما السؤال غير البريء الذي يردده دائماً بعض الببغاوات عند البدء بأي جهد يبذل لمواجهة هذه الكارثة
فإنما يمثل قوى الثورة المضادة التي تقف ضد الإنسان اليمني الذي لابد أن يستيقظ طال الزمن أم قصر فهل آن الأوان كي نصحو؟!.
من فسحة بين العقل والجسد يولد الإنسان. |
|
|