أيام قلائل تفصل شعبنا اليمني الصامد والمجاهد عن دخوله العام السابع في مواجهته للعدوان الأمريكي السعودي وهو يسطر بجيشه ولجانه الشعبية ومن ورائهم أحرار شعبنا اليمني أروع الملاحم البطولية في ميادين الفداء والتضحية والثبات ضد الغزاة والمحتلين على مدى ست سنوات متواصلة وتمريغ أنوفهم في التراب اليمني وفي عقر ديارهم رغم الفارق الكبير في العدة والعتاد.
وما كان لهذا الشعب الذي استهدفته المخططات الأمريكية في إطار الإستهداف الشامل وعملت على تفكيكه لسنوات بتواطؤ العملاء في الداخل أن يصمد اليوم في ظل الحصار الجائر والمعاناة أمام 18 دولة على رأسها أمريكا لولا ثقته العظيمة بالله سبحانه وتعالى وانضوائه تحت قيادة أعلام الهدى من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, إذ أن في ميدان المواجهة لن يهزم اليهود إلا تحت قيادة من آل بيت المصطفى.
لا يزال العالم أمامه في حيرة من أمره أمام الأسرار الخفية التي تقف وراء تحقيق الإنتصارات اليمنية المتصاعدة حتى أن خبراءه ومحلليه بالذهول والتلبد حين ينظرون إلى مشاهد قتالية للأبطال وثقتها عدسات الإعلام الحربي لم تقدر حتى على صناعتها أفلام “هيوليود ” وهو أنى لهؤلاء الفتية أن يواجهوا ببنادقهم الشخصية دبابات ومصفحات ومجنزرات وأحدث طائرات العالم الحربية وآخر ما وصلت الصناعات والتكنولوجيا العسكرية, وكيف تجرعت كتائب بلاك ووتر وداين جروب أذيال الهزيمة الساحقة من اليمن , بعد أن تم التنكيل بها في مختلف الجبهات المشتعلة, وتلقت صفعات البأس اليماني, لعل أبرز تلك الأسرار هي تشبع المجاهدين بتلك المنهجية الثقافية القرآنية التي أسس مشروعها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه.
وفي الذكرى السنوية للشهيد القائد وهي تحل علينا في العام 1442هـ في ظل ما تعيشه الأمة من مخاض عسر وأوضاعا استثنائية وتحولات إستراتيجية كبيرة وهي تواجه بثقتها بالله ووعيها الكبير وقضيتها العادلة معسكر الشرك والنفاق والإلحاد العالمي, نحن اليوم في أمس الحاجة إلى أن نعود قليلا إلى بداية انطلاقة المشروع القرآني لنتعرف على شخصية شهيد القرآن الذي نحيي اليوم ذكرى استشهاده, ومن هذا القائد الاستثنائي الذي بنا بمشروعه هؤلاء الفتية الذين لا يهابون المنايا بل يستهزؤون بالموت ويحتقرونه لكنهم عشاق للشهادة وهم في ميادين القتال ذودا عن دين الله ودفاعا عن المستضعفين من عباده “وكانوا من آياتنا عجبا”.
الحديث عن شخصية مؤسس المسيرة القرآنية حديث ذو شجون للغاية, إذ لا تحتويه مجلدات أو تتسع له بطون الكتب, ومهما حاول الإنسان جاهدا أن يتحدث عن شهيد القرآن وقرينه فلن يوفيه حقه, فهو أمام بحر لا يدرك قعره.
وشخصية عظيمة بعظمة المشروع النوارني لهو جدير بأن نعرفه حق المعرفة, لذا فالشهيد القائد ليس صورة في برواز تعلق على جدران المكاتب, أو توضع في الميداليات, لا .. الشهيد القائد هو مشروع أمة هو إنتماء عملي هو هوية جامعة هو وولاء صادق في القول والعمل, هو إيمان راسخ , هو عنوان القضية العادية ورائد لمشروع عظيم, والانتماء لهذا المشروع ليس مجرد لقلقلة لسان أو شعارات وبندقة فقط, فما شهدته المسيرة ورجالها في الحرب الأولى الظالمة كفيلة أن تصوب المسارات للوافدين على المسيرة القرآنية حاليا.
وما نعيشه اليوم من عزة وكرامة وانتصارات إنما هي ثمرة لذلك المشروع القرآني ونتاج لتضحيات عظيمة وكبيرة سطرها رجال عظماء في ميادين كانت حلقاتها هي الأصعب عليهم والأشد فتكا بها, في ظل هجمة إعلامية شرسة مورست عليهم ودعايات مظللة كيدية للنيل منهم , الهدف منها تأليب المجتمع عليهم لاستئصالهم وإبادتهم بشكل جذري, خاصة,, منذ أن أعلنت السلطة العملية عدوانها الغاشم على منطقة جغرافية محدودة شمال غرب محافظة صعدة وأطلقت شرارة معركتها الأولى على هذا المشروع ورجاله في العام2004م بتوجيهات أمريكية بحتة, رافقها وسبقها حملات إعلامية شرسة وشائعات كيدية لمحاولة تنفير الناس عن هذا المشروع الإلهي.
حتى أن الشهيد القائد قال يومها ” لقد شنت علينا السلطة في يوم واحد صواريخ أكثر مما شنته أمريكا على أحد أحياء الفلوجة في العراق “.
لكن أولئك الفتية وهبوا أرواحهم لله حينها وسلموا أنفسهم لله وعقدوا صفقاتهم مع الله, وكانت أجسادهم ودمائهم طليعة اللبنات الأولى في بناء بنيان هذا الصرح الإسلامي الشامخ والعظيم , فالمشروع مر بمراحل صعبة للغاية في وهلته الأولى لكن الشهيد القائد كان قد غرس في قلوب الناس معنى الثقة بالله وأحدث فيهم نقلة كبيرة في الجانب الروحي والإيماني لتتجلى بعد ذلك فيهم آيات الله وهو يخوضون المواجهة المباشرة دفاعا عن هذا المشروع في جبل مران مع الآلاف من الجنود والمدرعات والطائرات بكل شجاعة وصبر ومعاناة وتضحية لا نظير لها , فما بدأ به الشهيد القائد ليس تشييد الهناجر والمصانع إنما بدأ بالنفوس عرفها بالله أولا فجعل من أنصار الله في مهد هذا المشروع رجال ونساء كانوا أشبه بعمار بن ياسر وأبيه وأمه سميه وبلال بن رباح, وأمام كل هذه التحديات والأخطار التي نواجهها اليوم أفكر مليا ماذا لو يكن الحسين وأنصار الله, وأين كان اليمن اليوم لو لم يهيئ الله لنا هذا المشروع وأعلام الهدى.
ماعاشته المسيرة القرآنية في مهدها الأول أحداث لا تخلو من وجه شبه مما حدث مع الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أذن الله له بإعلان الدعوة الإسلامية, وتعد ذلك سنن كونية إلهية لا تتبدل ولا تتغير مع مرور الوقت والزمان.
لذا فالمهمة التي حملها أنبياء الله ورسله هي هداية الناس من خلال القرآن الكريم, فجاء الشهيد القائد في الحقبة الزمنية الأخيرة (لينهض الأمة من عثرتها ويربطها بكتاب الله) وبنى من خلالها رجالا كانوا أشد صلابة من الحجار الرواسي حين واجهوا أمريكا وأذنابها هاتفين بالشعار في وجه الطغاة والمستكبرين.
المشاهد متقاربة جدا للمتأمل والباحث عن الحق وأهله ولعل من أبرزها حين كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ للناس في مكة القرآن أطلق عليه كبار قريش ” أنه ساحر وأنه مجنون وكاهن”, وبعد 1400 عام من موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أطلقت تلك الألفاظ والمصطلحات نفسها على حفيده “حسين العصر” ولا زالت تلك المصطلحات تطلق لكل من يهتدي القرآن ويلتحق بالمسيرة القرآنية “سحرك الحوثي” .
مشهد آخر.. حينما أدركت قريش خطورة المشروع القرآني على أطماعها وجشعها ووجاهاتها حاولت أن تقتل رسول الله وتأمرت عليه في ” دار الندوة” لكن الله حافظ لدينه ولرسوله, فأمره الله بالهجرة إلى المدينة المنورة وما إن وصل إليها حتى أٌقام دعائم الإسلام وبنى دولة لها صولاتها وجولاتها وهد عروش الكفر والمستكبرين في ذلك الوقت, لتتحالف عليه الأحزاب من كل حدب وصوب لاستئصاله, فخيب الله آمالها وظنونها, نفس ذلك المشهد أيضا يتكرر اليوم رغم فارق الوقت حين انطلق الشهيد القائد بمشروعه القرآني الثقافي داعيا أمة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى العودة الصادقة إلى كتاب الله سبحانه وتعالى ككتاب هداية وتشريع, استشعرت أمريكا خطورته وخافت على مصالحها بعد أن ظنت أنها قد سيطرت على العالم بأجمعه فوجهت نظام العمالة الداخلي ومحيطه أنذاك في جبل مران بعد أن أغرتهم بالمال لقتاله, ولكن الله أذن لهذا المشروع بالظهور لتتوالي على هذا المشروع 6 حروب عنيفة وشرسة, ففشلت كل الرهانات أمام الصادقين من أنصار الله المتحلين بالوعي والواثقين بالله, وكل حرب كانت تشن على المجاهدين أنذاك كلما كان يصب في إطار خدمة توسع المشروع منطقة فمنطقة ثم مديرية فمديرية ثم محافظة فمحافظة إلى أن وصل العاصمة صنعاء وما بعده من المحافظات, وها نحن اليوم نرى ونشهد جميعا أن الأحزاب تكالبت على المشروع ذاته أيام رسول الله في صدر الإسلام وتكالبت عليه اليوم حين أعاده أحفاده من جديد في زمننا هذا.. وهو ما نشهد اليوم من تكالب عالمي على شعبنا اليمني الذي اختار طريق الحرية ورسم لنفسه سبل النجاة منضويا تحت قيادة أعلام الهدى من آهل بيت رسول الله صلى الله علي وآله وسلم.
شاءت العناية الإلهية أن يكون هناك اتساع متدرج للمسيرة القرآنية ولهذا المشروع النهضوي التحرري الثوري من خلال ثورة التكنولوجيا الحديثة – بعد أن غيبت السلطة جثمان الشهيد القائد لمدة لا تقل عن 10 سنوات ودفنت جثمانه الطاهر بكل سرية في ساحة السجن المركزي بصنعاء – كي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل- ومنذ أن شهد اليمن الثورة التكنولوجية وشبكات مواقع التواصل الاجتماعي بعد العام2010م اتسع هذا النور ووصل للجميع.
أخيراً علينا أن نعترف بالفضل الكبير لله سبحانه وتعالى أن هيأ تحالف العدوان ليخدم هذا المشروع بيده من حيث لا يدي, وأن يجعل في أنصاره وجنوده شواهد وآيات لأنصاره شد من خلالها أنظار العالم بأجمعه إليهم متطلعا لمعرفة ما قدمه الشهيد القائد من هدي قرآني لا نظير له في المعمورة , كما هيأ الله فرعون أن يخدم رسالة موسى حين حشر له الجمع في يوم الزينة.