في مثل هذه الأيّام من العام 2013م ودّعت سورية أحدَ أبرز علمائها المعتدلين الشهيد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الذي اغتيل في تفجير إرهابي وهو على منبره في مسجدِ الإيمان بالعاصمة العروبية دمشق. وفي مثل هذه الأيّام وبعد عامين فقط ودعت اليمن أحد أبرز علمائها المعتدلين الشهيد الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري، الذي اغتيل هو الآخرُ في تفجير إرهابي مماثل وهو على منبر جامع بدر خطيبا بالمصلين في يوم الجمعة،.
وكما كانت العمليةُ الإرهابيةُ في مسجدَي بدر والحشحوش بالعاصمة صنعاء تدشيناً للعدوان السعودي الأمريكي على اليمن في 26 مارس 2015م، فقد كانت عملية اغتيال الدكتور البوطي حلقةً مهمةً في سلسلة الاستهداف والحرب الكونية التي تعرضت لها سورية دولةً وشعباً وفكراً مستنيراً.
وهكذا شاءت الأقدار أن تتسع دائرة المشترك بين الشعبين الشقيقين في اليمن وسورية، فعلاوة على الماضي والتاريخ العريق لكلا البلدين، فَـإنَّ العشرية الأخيرة التي خيمت على الدولتين قد رسمت خارطة مشتركة من الألم والمعاناة الممهورة بالدم والتضحيات، والموشَّاة بالصبر والصمود. ولا بد أن يكون مفتاحُها نصراً كَبيراً بمذاق بلح الشام وعنب اليمن.
وإذ لا يزال الإرهابُ والجماعات التكفيرية يلعبون دوراً قذراً في شمال سورية برغم سقوط دولة الخرافة- داعش، وتضييق الخناق على فلول الجماعات والعناصر المسلحة، التي ما زالت تتغذى على الدعم التركي، والغطاء الأمريكي، فَـإنَّ القاعدة والجماعات الإرهابية والتكفيرية ما تزال صاحبة الكلمة في محافظة مارب شرقي اليمن، وبدعم سعودي إماراتي وأمريكي أَيْـضاً، بل إن مجلس الأمن نفسه عبّر مؤخّراً عن مساندته للوضع القائم في مارب ومحذراً الجيشَ اليمني وأنصارَ الله من دخول المدينة وتحريرها. (لاحظوا أن المناطقَ التي تسيطر عليها الجماعاتُ الإرهابية المسنودة أمريكياً في سوريا كما في اليمن، هي مناطقُ غنيةٌ بالنفط والثروات التي تستحوذُ عليها قلةٌ من اللصوص وأمراء الحروب).
كذلك الأمر بالنسبة للحصار والحرب الاقتصادية، فقانون الغاب- أَو قيصر، هو المهيمنُ على حركةِ التجارة الدولية، ما ألقى بظِلاله اللافحة على حياة الملايين من أبناء الأُمَّــة العربية والإسلامية في اليمن وسورية، فيما العالَمُ المتحضِّرُ-هكذا يسمي نفسه- يذرفُ دموعَ التماسيح لا أكثر. أما العالَمُ العربي والإسلامي فلا يزال يغُطُّ في انحطاطٍ عميقٍ، إلا قلة من دولٍ وحركاتٍ وهيئاتٍ يجمعُها محورُ مقاوَمة المشروع الصهيوأمريكي، وَالتصدي لمخطّط تصفية القضية الفلسطينية، التي دخلت منعطفاً حرجاً، وقد تبارى الأعرابُ مهرولين إلى أحضان تل أبيب، في خيانةٍ سافرةٍ لثوابت الأُمَّــة وقضاياها العادلة، على نحوٍ غيرِ مسبوق.
رحم اللهُ الشهيدَين البوطي والمحطوري، والتحيةُ لأمتنا، وللشعب العربي في اليمن وسورية.
دمـشق 20 آذار2021م
* سفير اليمن في سورية