لم تكلّف إيران الكويت بالوساطة في الأزمة اليمنية، ولا حضر الضباط الإيرانيون كواليس المفاوضات، بل الضباط السعوديون هم الذين فعلوا، ولم تفاوض إيران في مسقط ولا في سواها وفوداً تمثّل حكومة منصور هادي، بل السعوديون هم الذين فاوضوا الحوثيين هناك، والأميركيون فعلوا مثلهم في تفويض الكويت بالوساطة وفي التفاوض مع الحوثيين بعيداً عن أي واسطة، وليست إيران مَن أوفدت وزير خارجيتها إلى الكويت حاملاً رسالة لمجلس التعاون الخليجي للدعوة لفتح حوار إيراني خليجي، بل العكس هو الذي حصل، ولا إيران وفرت التغطية لرئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري للمبادرة نحو العماد ميشال عون وتبنّي ترشيحه لرئاسة الجمهورية، بل السعودية هي مَن فعل، كما يقول وزير الداخلية اللبنانية نهاد المشنوق بحديثه عن تسوية إقليمية دولية كبرى جاءت بالعماد عون رئيساً، ولا ذهاب الأردن إلى أستانة جاء بنتيجة تشجيع إيراني، وإيران أحد الرعاة في أستانة، بل الأكيد أن الأردن ما كان ليفعل بلا تشجيع سعودي أميركي، والفصائل التي تعهّد ضمها لأستانة في وقف النار والقتال ضد النصرة وداعش، فصائل تقودها واشنطن وتمولها الرياض.
تدرك طهران جيداً أن السعودية التي تخوض خيار التصعيد في البحرين واليمن، وتنتظر تحسين وضعها فيهما، قبل الدخول في التفاوض مع إيران، تحتاج هذا التفاوض مصلحياً ووجودياً، بينما تريده إيران لتجنيب المنطقة المزيد من الاستنزاف والخراب والتطرف والفتن والمخاطر، وتدرك طهران أن الرياض قرّرت في كل الملفات التي تشكل عناوين الخلاف سلوك خيار التفاوض، لكنها آثرت البقاء خلف الكواليس فاختارت الرئيس الحريري في لبنان، والأردن في سورية، والكويت في الخليج، لكن طهران تدرك أن وقت التفاوض المباشر لم يحِن بعد، فالسعودية تنتظر حتى الصيف لمعرفة ما سيفعله الرئيس الأميركي الجديد في جولة التصعيد بوجه إيران واكتشاف ما إذا كانت مجرد زوبعة كلام في فنجان الإعلام، أم أنها علامة خيار مواجهة يمكن البناء عليه. وخلال هذا الوقت ترمي بثقلها لحسم ما يمكن حسمه في اليمن والبحرين، وتحسين شروط التفاوض أملاً بتجنب الخسارة فيهما، لذلك تدرك طهران حتمية نضج خيار التفاوض بقدر ما تدرك أنه لم ينضج بعد.
الجواب الإيراني على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف بالترحيب الحار، لكن الحذر بالدعوة الكويتية لحوار خليجي إيراني ينطلق من هذا التقدير، مشيراً إلى أنه «عندما يقتنع جيراننا أننا بحاجة للتعاون المشترك، بالنظر إلى التاريخ والجغرافيا والمشتركات العديدة بين شعوبنا، والتهديدات المشتركة التي نواجهها، ستحظى المنطقة بشريك حقيقي مثل إيران». وشدّد على أن «إيران لا ترغب بتهديد استقرار المنطقة وإن الخطر في أي بلد يهدّد المنطقة بأكملها»، معرباً عن أمله في «أن تشكل الرسالة التي بعث بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى طهران، أصالة عن نفسه ونيابة عن باقي حكام دول مجلس التعاون الخليجي، رغبة حقيقية»، مبيّناً أن «هذه الرغبة ستقابل بتفاعل حقيقي أيضاً من قبل إيران». وأشار إلى أن «ذلك سيكون وفقاً للحقائق وبنظرة مستقبلية»، شريطة أن «يُقرّ الجميع بأننا يجب أن نمضي نحو مستقبل مختلف».
بانتظار الصيف السعودي لكل حادث حديث إيراني.