تكثر اليوم كلمات ومفردات الأنين والشكوى في صفوف المرتزقة, وفي وسائلهم الإعلامية وفي خطابهم السياسي , هم يقولون إن التحالف خذلهم , ولم يقدم الدعم اللازم , ولا السلاح الحديث , والجندي أصبح يقاتل بذهب زوجته يبيعه من أجل أن يستمر في الجبهات – هكذا ورد بالنص على لسان معتوه مرتزق – وكاد البعض منهم يذرف الدموع وينشج نشيج الأيامى والثكالى وهو يصف الحال الذي وصل إليه جيشهم في مارب الذي – حسب قولهم – لم يستلم مرتبات منذ ثمانية أشهر .
الموضوع ليس غريبا بالنسبة لي ولن يكون، فقد سبرت نفوس القوم في جل تفاعلاتهم السياسية والعسكرية وعرفت حتى كيف يفكرون, ولذلك أرى أن ثمة مانعا يقف حائلا بينهم وبين اقتراف جريمة إنسانية في حق النازحين الذين يحتمون بهم في مارب ويمنعونهم من مغادرة المخيمات , الإخوان يفكرون في النسج على ما دأبوا فعله ومن النادر يبتكرون شيئا جديدا , وبمجرد الاشتغال المكثف على أي خصيصة أخلاقية أو إنسانية يدرك المرء ماذا يفكر فيه الإخوان ويعرف ما هم مقدمون على فعله في قادم أيامهم .
خلال ما مضى من أيام اشتغل الإخوان على خصائص محددة، هي:
– الخصيصة الأولى: وهي مخيمات النازحين والبعد الإنساني وأثر الحرب وتداعياتها والوضع الإنساني في المخيمات التي تقبع خارج مارب كدروع وحصون تمنع أي نشاط عملياتي أو عسكري يشكل خطرا أو تهديدا.
– الخصيصة الثانية: الشكوى والأنين من خذلان التحالف وعدم مساندته لهم بالرغم من حجم الطلعات المكثفة للطيران وعدد الغارات, وبالرغم من الأسلحة الحديثة وفق أحدث التقنيات، وبالرغم من أحدث الآليات الحربية والدروع إلا أن الخطاب السياسي والإعلامي يكثف الحديث عن الخذلان وغياب الدعم والاضطرار إلى جمع التبرعات لدعم الجيش واضطرار زوجات الجنود لبيع الذهب حتى يتمكن من الإنفاق على أنفسهن , وعلى أزواجهن في الجبهات، تسمع مثل ذلك فتكاد تسخر منهم ثم تلعنهم فقد باءوا بغضب من الله ومن الناس أجمعين .
حالات السحت والدناءة التي تتشكل في البناء العام للشخصية الإخوانية لا تمت إلى الإسلام وقيمه ومكارم أخلاقه بصلة , وهي دخيلة نظرا لارتباط الحركة بالتيار الماسوني وبمحفلهم في قطر , ولذلك لا تجدهم يقاتلون إلا من وراء جدر , أو من خلف حصون مشيدة , ولا يتصدرون المواقف بشجاعة ولكنهم يداهنون وينافقون , ولا يمكنهم أن يقودوا نشاطا سياسيا إلا تحت لافتات كبيرة لا تمت لهم بصلة , فهم اليوم يخوضون الصراع تحت مظلة الشرعية وهادي لكنهم هم من يتحكم في التفاصيل ويديرون العمليات الأمنية والعسكرية , حتى التحكم بالقرار السياسي بيدهم , وهادي من العجز بالمكان الذي يجعله قطعة شطرنج يحركها الإخوان كلاعب أساسي في العملية وقد تكشفت أوراق عدة , واتفاقات سرية بين هادي والإخوان كلها تتمحور حول مصالح مشتركة , ومنافع ظل الوطن على مسافة آمنة وبعيدة منها , بل لم تلامس هموم الوطن ولا مشاكله لكنها اتفاقات تدر نفعا عاما على الإخوان وعلى هادي دون أم يجد الوطن شيئا , حتى المقاتل الذي يبذل دمه في الجبهات ومن خلاله يديرون منافعهم ومصالحهم لا يجد منهم اهتماما سوى بضع كلمات من الأنين , وربما يذرفون دمعتين على شاشات الفضائيات , ثم ينسابون إلى الشركات والفنادق والمصانع والاستثمارات العملاقة في إثيوبيا والقرن الأفريقي وتركيا وماليزيا وإندونيسيا .
الموضوع اليمني لم يعد عدوانا تشنه السعودية وحليفتها الإمارات ومن شايعهم، ولكنه تحول من خلال الإخوان – كأداة من أدوات العدوان في اليمن – إلى حالة اقتصادية , العالم من حولنا يبتكر جديدا في الحياة , ويجعل من المعرفة اقتصادا يوفر حياة كريمة للناس , والإخوان في اليمن يبتكرون طرقا جديدة تديم الحرب والاضطراب ويستثمرون في المآسي والدم المراق حتى يوفروا لهم حياة تنضح برائحة الدماء ورائحة الأشلاء الممزقة على ربوع ووهاد اليمن.
منذ تشكل حزب الإصلاح وهو يستثمر في المآسي الإنسانية, لا تدخل جامعا أو سوقا أو متجرا أو بنكا إلا ولهم فيه أثر يدعو إلى مساعدة إنسانية لفلسطين أو الشيشان أو الفلبين , ……. الخ , القضية أضحت معتقدا وسلوكا ونهجا والكثير منهم اليوم يتواجد في البلدان العربية والإسلامية ويمارس ذات الغواية سواء كان ذلك في ماليزيا أم إندونيسيا أم تركيا، فضلا عن الكويت وقطر, يستثمرون في الأشلاء الممزقة التي تعرضها الشاشات والدور المهدمة , وفي آثار الحرب والدمار ويبتكرون قصصا ومعجزات كما كانوا يفعلون زمن أفغانستان , وقد يلجأون إلى الرؤى والأحلام كما كانوا يفعلون في رابعة العدوية في مصر وبتلك الأساليب ومن خلالها يستدرون عطف الضمائر والقلوب بتوظيف البعد العقائدي وآصرة أخوة الدين, والألباني حاضر في تصحيح الأحاديث, والمرشد العام يبتكر فقها معاصرا ويجيزه بين اتباعه .
اليوم نحن في اليمن نعاني من فقه الأزمات الذي يبتكره الإخوان منذ خرجوا من السلطة عام 1997م , فاليمن لم تشهد استقرارا بسبب فقه الواقع وفقه الأزمات الذي كان يجيز الاختطاف , وقطع الخدمات , وقطع كابلات الكهرباء, ويجيز الاغتيالات في الشوارع , يجيز تفجير الأسواق العامة والمساجد ويجيز حمل الأحزمة الناسفة والانتحار أو تفجير العبوات الناسفة , أو يجيز قطع الطرق , ويجيز الفوضى , الاختلالات الأمنية , والعمليات الإرهابية , أو عمليات النهب والسلب والحرق للممتلكات العامة والخاصة التي تصاحب المظاهرات … الخ , فهم لا يمكنهم العيش إلا في البيئات المضطربة التي يمكنهم زعزعة استقرارها، ولذلك من المستحيل الوصول إلى حالة الاستقرار في اليمن طالما والإخوان يجدون في أنفسهم قدرة على إقلاق السكينة العامة , وهم من وقف خلف فشل اتفاق السلم والشراكة الذي كان كفيلا بتحقيق حالة التوازن الثوري والاجتماعي والسياسي والثقافي في اليمن.