منذ أطلق عبارته المتنبي في القرن الرابع الهجري وهي العبارة التي تضمنها العنوان والحال ما يزال كما هو , ولسان حال الشرفاء والأحرار من العرب والمسلمين يقف أمام المناسبات العيدية متسائلا : بأي حال عدت يا عيد ؟
نال العرب الشتات والتمزق في زمن المتنبي , وتفرقوا شيعا وأحزابا , وتنازعوا وفشلوا, وضعفت شوكتهم ,ومازال هذا حالهم منذ زمن المتنبي إلى اليوم , وهو حال لا يسر ولا يستقيم له أمر .
اليوم كما – هو في الأمس- تتكالب الأمم على العرب وعلى المسلمين كما يتكالب الأكلة على قصعتهم , تضيع الأرض ,وتضيع المقدسات , وتنتهك الحرمات , والكثير من العرب ومن المسلمين في شغل العدوات والشحناء فكهون , ينسجون خيوط العداوات والبغضاء لبعضهم بعضا , وعدوهم ينسل من بين أناملهم فيعيث فسادا في أرضهم وفي مقدساتهم , وينال من شرفهم , هم على أرائك العدوات متكئون دون أن يحركوا ساكنا , أو نسمع لهم من صرخات الألم ركزا .
ما يتميز به اليوم عن الأمس هو التطبيع الذي بدأ الكثير من زعماء العرب والمسلمين ينساقون إليه طوعا أو كرها , بالأمس كان العدو واضحا ومحددا وسهام الجهاد تتجه إليه , وإن داهن من داهن من الفرق والطوائف , إلا أن المسلمين كانوا يرون العدو عدوا , والمحتل محتلا , والغازي غازيا , لكن في يومنا بدأوا بالهويات الثقافية , والحضارية , والتاريخية , والدينية , فاشتغلوا عليها حتى تاه القوم وفقدوا المعنى الديني والثقافي والحضاري والتاريخي , ثم مالوا إلى المفاهيم -وعن طريق أناس من بني جلدتنا يتكلمون بلغتنا ويؤمنون بديننا ظاهرا ويكتمون كفرهم باطنا – فجعلوها بددا وبدون محددات , وبدون ظلال , وأفرغوا كل مفهوم من محتواه حتى كاد القوم يرون في الصهيونية ,وفي الغزاة , وفي المحتلين بدائل محتملة للوطنيين وللأحرار والشرفاء الذين مازالوا يحفظون البوصلة ويعرفون الاتجاهات في زحمة الضياع والتيه التاريخي الذي لازم العرب منذ سقوط بغداد الأول إلى سقوطها الحديث بيد الغزاة والمحتلين .
بغداد ودمشق متلازمتان تاريخياً لا يمثل سقوط الأولى واضطراب الثانية إلا حالة تاريخية وحالة سياسية وثقافية ذات تواشج وتعاضد , يعرف العدو كيف يعيد ترتيب نسقهما حتى يستفيد من حالة انهيار الأولى واضطراب الثانية في تحقيق مآربه , فالعامل التاريخي عامل مهم في بناء الحضارات والثقافات وفي بلوغ السياسات لمآربها , وهو عامل يهمله العرب ولا يدركون أهميته , وعدوهم يعرف كيف يصل اليهم من خلال خصائص تفكيرهم وثقافتهم القائمة على تقبل الأفكار ككليات غير قابلة للتجزئة .
إسرائيل تعرف مستوى تفكير العرب وهي تقرأ كل أفكارهم وما من شاردة أو واردة تلوكها أسنان المطابع في البلدان العربية إلا وتقوم إسرائيل باقتنائها , والكثير من دور النشر العربية ومن الناشرين يحرصون على طباعة عناوين جديدة , ويحرصون على معرض القاهرة الدولي للكتاب إدراكا منهم أن الكتب سوف تجد رواجا , وسوف تحضر السفارة الإسرائيلية كي تقتني العناوين الجديدة ,وقد يحقق مثل ذلك ربحا للبعض ورواجا للآخر , في حين نحن العرب لا نكاد نقرأ ربع صفحة من كتاب في العام وفق تقارير دولية فضلا عن رغبة المصادرة والانغلاق , وسلوك الرقابة الذي أصبح ديدنا لكل السياسات الثقافية في التفاعل مع الغير , وهو سلوك غير واقعي ولا هو منطقي , ذلك أن معرفة الآخر ومعرفة ثقافته ومستواه الحضاري والثقافي يجعلك قادرا على التعامل معه وتوقع ردود أفعاله , وقادرا أيضا على وضع الاستراتيجيات وتوقع نتائجها , كما تفعل إسرائيل والغرب مع العرب ومع غير المسلمين , فهم يقرأون الهند ويتعاملون معها وفق أبرز تجلياتها الثقافية , ويتعاملون معها كند مؤثر في السياسة الدولية , رغم التعدد في الثقافات ,وفي العرقيات ,وفي اللغات ,وفي القوميات, وفي الديانات , إلا أنها تظل تمتاز بالوحدة العضوية في مجتمعها دون تشظي أو انقسامات , ويخشى النظام العالمي المساس بوحدة الهند رغم توفر العوامل لمثل ذلك، إلا أن قدرة السياسة الهندية على التأثير في رسم السياسات الدولية حال دون بلوغ الغايات منها ,هذا الكلام ليس كلاما ملقى على عواهنه لكنه حقيقة تحدث عنها مهندس النظام الدولي وراسم سياسته الخارجية كسينجر في أحد أبحاثه وكتبه .
وعلى ضوء هذا المثال، نجد العرب رغم وحدة الأرض والثقافة والتاريخ والدين واللغة ورغم توفر عوامل الوحدة إلا أنهم يعانون من الضياع , ومن التيه ,ومن التشظي والانقسامات , وقد اخترقهم عدوهم فعاث فسادا بعد أن جاس خلال الديار , وما يحدث اليوم في الأقصى الشريف من مواجهات, وصمت الذين طبعوا العلاقات مع إسرائيل عن الجرائم والانتهاكات للأرض والعرض والشرف هو العار بعينه وهو الذل والهوان والمسكنة , وتلك صفات أمتاز بها اليهود كما أخبرنا بها القرآن .. فكيف أضحت من خلائق العرب والمسلمين ؟؟ والأغرب أنني قرأت تغريدة لزعيم تيار الإخوان في اليمن المدعو محمد اليدومي وكأني به يقول في مضمونها : يا فيلق القدس, يا أصحاب الصرخة : القدس تناديكما فأذهبا أنتما وربكما فقاتلا إنا هاهنا قاعدون , هذه المسكنة والسمة الثقافية والأخلاقية أضحت ترمز إلى التماثل وهي واضحة للقارئ الحصيف فالمرء على دين خليله , ولذلك يكتسب من صفاته ومن خصائصه , وكاد الحال ينطقهم وإن تواروا خلف الحصون والصياصي وظنوا في أنفسهم أنها مانعتهم من فهمنا لهم , إلا أن القرآن يفضح دواخل أنفسهم ولا مناص لهم من الحقائق التي ينطق بها الواقع كما أنه لا عاصم لهم من أمر الله .
لقد تبين الرشد من الغي اليوم , وكشف كل فريق عن نفسه واتضحت الحقائق ..فهل يظل الناس على عمه الطغيان ؟, وهل سيعود عيد الفطر ونحن على ذات الحال ؟
ثمة متغير سوف يحدث , وثمة قادم جديد ,وأكاد أرى راية المقاومة الإسلامية ترفرف في سماء المجد من جديد وحينها لن نقول : بأي حال عدت يا عيد .