مات عبدالعليم
وعبدالعليم إذا مات
وفي أي وقت
يموت بحرفنة
ويموت كما يحلم أو يشتهي
الميتون
يموت كثيراً
كثيراً
يفيض من الموت
يمتد موتاً
من المهد شرقاً
إلى الغرب من يومه المرتقب.
***
عبدالعليم إذا مات
يرتد منصعقاً
لا يصدق حشد عزاءاته
كان عبد العليم
يصدق ريبته وحدها
كان يتبع خط توجسه
ويذوب أيامه في الظلال
ويمشي وحيداً
وإن صادفته المدينة في قلبها
ذات وهج
زوى وجهه
وانزوى
واحتجب.
***
عبدالعليم إذا مات
ينهض أعداؤه في الكمائن، يأتون من
غيبه
كان يحصي المذلات
أعداؤه ثلة:
رجل غامض في الجريدة
والعسكري
وهذا الغراب الذي فوق ناصية البيت
بقال حارته
بائع اللحم
والعابر المتلفت
وابن المؤجر في أول الشهر
ثم المؤجر في كل رشفة ماء
وذو الراحة المستطيلة
والجار
والمخبر العسلي
وهذا المدير الخشب.
***
عبدالعليم الذي مات
منفرداً
ومديداً
كان يحلم أن سوف يحلم
أن نساءً...
وأن نهوداً...
وأن مناطق معشبة بالتوقد.
يحلم أن سوف يحلم
وأن...
وأن...
وتخرج أحلامه في الصباح
وتجلس في الباص
ترسل بعض الدخان هنا أو هنالك
ترتاب من حلم جالس وحده قربها
ثم تنزل نحو الوظيفة
أو تتمشى هنالك بين الفتارين
تبتاع أو تكتري وهمها
تنثني في الأزقة
ناشدةً لفتة شردت
شرفة أفلتت آهة
وإذا فاجأته امرأة بين أحلامه
امرأة من عقيق ونار
وسارت تضج بكل حنين النساء إلى
يومه
كان ينسل في أفق ممعن في الهرب.
***
عبدالعليم إذا مات
يجمع كل بنيه الذين سيحلم
أن سوف يأتون من صلبه
بعد موت طويل
كان يجمعهم حول جثمانه
ويوزع ثروته بينهم:
كل موت تكدس
أو كل رعب
وما جمعته يداه من الريب
أوهامه كلها
والتوجس
كوم الهواجس
ثم يموت كما قد تدرب منذ طفولته
هكذا
دونما
ضجة
أو
سبب.
***
وعبدالعليم عليم بكل أصول الضيافة
حتى إذا مات
يحمل قهوته
ويوزعها بيديه
ويعزي المعزين
ثم يهيئ أكفانه
ويسير مع النعش
في أول الصف
يمشي ثقيل الصدى
صامتا
ويحوقل
يذرف أوقاته كلها
دفقة، دفقة
ثم من فتحة القبر ينزل
معتذراً
أنه يشغل الآخرين بأوهامه
ويسبب للناس هذا التعب.
* نعيد نشرها في الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر الكبير محمد حسين هيثم رحمه الله