عاشوراء الثورة الحسينية، مسيرة جهادية لا يطويها الزمان ولا يحدها مكان بدأت مشوارها من أطراف العراق لكنها لم ولن تتوقف حتى تحقيق أهدافها ، وصراعها مع الظلم والطغيان والضلال والانحراف قائم إلى يوم القيامة، قائدها الإمام الحسين عليه السلام ووقودها دمه الطاهر وروحه النبوية ومبادئه الإيمانية الجهادية وجماهيرها الملايين من المسلمين في مختلف أصقاع العالم من الذين تشبعت نفوسهم بالحب الحسيني العملي الذي لا يفسح المجال للطواغيت ان يحكموا الناس خارج إطار حكم الله وسلطانه ، ثورة الإمام الحسين عليه السلام هي ثورة العدل ضد الظلم والحق ضد الباطل والنور ضد الظلام والحرية والاستقلال ضد الاستعباد والذل والاستعمار، إنها ثورة الدين الإسلامي الحقيقي في وجه الزيف والتحريف والتدجين والكذب والتدليس.
الجهاد والثورة والإيمان والتقوى والقوة والعزيمة والصبر والصمود والكفاح والنور والهدى والوعي والبصيرة والتضحية والفداء والحرية والاستقلال والعزة والكرامة وكل ماله له علاقة بالعظمة والسمو والرفعة والمكانة العالية عند الله ورسوله والناس أجمعين ذلك هو الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام مدرسة شاملة متكاملة لكل ماله علاقة بقيم ومبادئ الإسلام ، فهو أقرب الناس إلى سيد الأنبياء والمرسلين فلذة كبد المصطفى وابن سيدة نساء الدنيا والأخرى فاطمة البتول الزهراء وابن أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب وسيد شباب أهل الجنة موقعه من رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بلغ إلى مستوى (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا) وسام شرف قلده إياه من أرسله الله رحمة للعالمين ووصفه بأنه على خلق عظيم وقال عنه “لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى” فخلد لنا عظمة ومقام الإمام الحسين الفريد من نوعه بين العالمين في الأولى والأخرى.
حمل لوء الإسلام وقيادة مسيرته من مسافة زمنية وإيمانية قريبة جداً من رسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله ومن موقع إسلامي محمدي علوي جهادي رسالي لا نظير له على الإطلاق تجسدت في شخصيته الحسينية مواصفات جده المصطفى ومميزات والده الكرار فكان نموذجاً حقيقياً لهما يتحرك بحركتهما ويمضي على نهجهما ويسير في نفس الاتجاه الذي سارا عليه، على صراط الله المستقيم بصفته وارث بيت النبوة وبقية اهل الكساء وحامل راية الإسلام والمسلمين ، انه الإمام الحسين عليه السلام الذي كان على يقين راسخ بأنه من سكان الجنة الأصليين بل كان جده الرسول محمد صلوات الله عليه وعلى آله قد اخبره انه سيد شباب أهل الجنة ولأنه كان يعرف ذلك لم يقعد ولم يجمد بل تحرك وخرج ضد طغيان وظلم وفساد بني أمية وكأن لسان حاله يقول للمؤمنين على مر التاريخ لا تطمئنوا بما انتم عليه وتتركوا مسؤوليتكم الدينية مهما كلف الثمن ومهما كانت التضحية.
الثورة الحسينية التي قادها الإمام الحسين عليه السلام ضد طغيان وظلم وفساد بني أمية هي ثورة إسلامية وإنسانية وأخلاقية أهدافها ومبادئها منبثقة من تعاليم الإسلام ومستوحاة من ثقافة القرآن الكريم المشحونة بالأوامر الإلهية القائمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومقارعة الطواغيت ومواجهة الظالمين والفاسدين والضالين والمضلين الذين يعملون على تحريف الدين الإسلامي الأصيل بهدف استحكام قبضتهم على رقاب الأمة بدون وجه حق ، لهذا كان خروج الإمام الحسين عليه السلام في تلك المرحلة ضرورة حتمية إيمانية وواجب ديني بصفته الامتداد الأصيل للرسول والرسالة والإسلام ولو لم يتحرك الإمام الحسين لمواجهة طغيان يزيد لكان ذلك بمثابة تنصل عن المسؤولية واستسلام لظلم وباطل بني أمية ولكنه تحرك رغم حجم الأخطار والتحديات غير مكترث لما قد يحصل وهو على ثقة كبيرة بالله وعلى يقين إيماني راسخ بأحقية ما هو عليه.
لهذا كانت القوة النفسية والمعنوية والإيمانية والجهادية التي كان يتمتع بها الإمام الحسين عليه السلام في ميدان المعركة يوم كربلاء خلدها التاريخ بكلمات صدحت بها الحنجرة الحسينية لا يزال صداها يتردد في أسماع البشرية إلى يومنا هذا والى يوم الدين كان أبرزها وأعظمها وأشجعها وأصدقها قوله لجيش بن زياد : هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحُجور طابت طهرت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ذلك هو الإمام الحسين عليه السلام طود شامخ لا تزلزله الشدائد ولا تؤثر في نفسيته كثرة الأعداء من حوله ولا يخاف الردى ولا يخشى الوغى يتقدم الصفوف شاهراً سيفه يضرب أعناق المجرمين ويخوض غمار التحديات من أجل الحق والحرية والعدل والعزة بكل ثبات وعزيمة ليقدم للأمة درساً إيمانياً تاريخياً في معاني الصدق في ميادين الجهاد وساحات الثورة ضد الظلم والفساد والانحراف والطغيان ..درساً حسينياً ثورياً مفاده وعنوانه (هيهات منا الذلة).