عشرون عاماً والأمريكان والغرب يحاربون الإرهاب في افغانستان ومن ثم العراق كما نشروا هذا الداء العضال بمسميات مختلفةٍ إلى كل بلدان المنطقة إما قاعدةً أو نصرةً أو داعش أو غيرها..
من يدعي أنه يحارب الإرهاب هو ذاته من يغذيه بل هو من يوفر له كل سبل البقاء والاستمرار والديمومة فهو شماعتهم المفضلة لتدمير بلدان المنطقة ونشر الفوضى فيها..
كان الربيع العربي بديلاً أمريكياً محتملاً لشماعة الإرهاب علّقت عليه واشنطن وعواصم الغرب الكثير من الآمال للاستمرار في نشر فوضاها الخلّاقة التي تقوم لاحقاً بإداراتها لكن هذا البديل لم يؤتي أُكُله كما خطط له الأمريكان والصهاينة..
على الرغم من نجاح موجات الربيع العربي المتلاحقة في إحالة الطقس العام السياسي والاقتصادي والمجتمعي في بلدان العالم العربي الى شتاءٍ قارس إلا أن مخططي وداعمي الفوضى لم يتمكنوا من حصد نتائجه بالشكل المطلوب كما فعلوا عبر شماعة الإرهاب..
اليوم تخرج علينا الإدارة الأمريكية بتصريحٍ مستغربٍ لكنه ليس غريباً عن هؤلاء الذين لا يملكون ثوابت في أيٍّ من الأمور فكل شيءٍ متغيرٌ عندهم وفقاً لقانون المصالح الأمريكية التي لا يعلو عليها شيء..
تنقل وكالة “بلومبيرج” عن مديرة الاستخبارات الأمريكية تأكيدها بأن خطر الإرهاب ينبع من دولٍ مثل اليمن والعراق وسوريا وليس من أفغانستان..
هذا التصريح المثير للجدل يعيدنا عشرين عاماً إلى الوراء حينما شن الأمريكان حربهم على هذا البلد المسلم بحجة دحر الإرهاب الذي اختلقوه وصنعوا منه ملحمة الحادي عشر من سبتمبر التي أثبت التاريخ بأنها كانت مختلقة الأسباب والتنفيذ واللاعبين ومرسومة النتائج..
خرج الأمريكان من افغانستان وهم يجرون أذيال الهزيمة لكنهم حققوا مخططاتهم التدميرية في أفغانستان والعراق ولاحقاً نشروا “فيروس الإرهاب” قاعديٌّ كان أو داعشيّ إلى المنطقة كلها..
اليوم يعتقد اللاعب الأمريكي الأحمق أن بامكانه نقل صنيعته الاجرامية من افغانستان الى بقية بلدان المنطقة..
مما لا شك فيه أن الأمريكان نجحوا في زرع هذه البؤر الاستخباراتية المتطرفة في كل بلدان المنطقة ولا سيما في الدول التي ذكرتها المسئولة الاستخباراتية الامريكية لكن إعادة مسلسل ما جرى في افغانستان في هذه البلدان بسيناريو مختلف لن ينجح بإذن الله فقد تغيرت المعادلة الدولية والاقليمية بصورةٍ لافتة وسيكون لهذه التغيرات ما لها من الآثار لاسيما بعد الانسحاب الأمريكي المذل من افغانستان..
وفقاً لما قالته “أفريل هاينز” فإن التهديد الأكبر لبلادها من الإرهاب الدولي ينبع من دول مثل اليمن والصومال وسوريا والعراق وليس أفغانستان..
مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية التي حضرت مؤتمراً حول الأمن القومي الامريكي في ضواحي واشنطن أكدت أنه وعلى الرغم من تراجع التهديد الإرهابي القادم من افغانستان إلا أن مسئولي الاستخبارات الأمريكيين يراقبون عن كثب ما إذا كانت الجماعات الإرهابية ستعود للظهور من جديد في هذا البلد..
وأضافت وعلى الرغم من ذلك فإن تلك الجماعات لم تعد مصدر قلق في ما يتعلق بإيواء إرهابيين يمكنهم تنفيذ هجومهم داخل الولايات المتحدة”..
هذه هي الحقيقة الوحيدة في كل ما قالته المسئولة الاستخباراتية الامريكية فالجماعات الإرهابية في افغانستان لم تعد تشكل تهديداً على الأمن الأمريكي ويبدو أنها لم تكن كذلك على الإطلاق..
هذا التبدل يعود لسببٍ بسيطٍ هو أن سيناريو اليوم يختلف عن سيناريو الأمس ومن كان يفترض به أنه عدوٌ قبل عقدين من الزمن صار اليوم حليفاً موثوقاً وإن حاول الأمريكان التغطية على ذلك بتصريحات مراقبة سلوك طالبان والعين المفتوحة على الحكومة في افغانستان..
أنهت المسئولة الأمريكية المؤتمر الأمني الذي حضرته بالتأكيد على أن جمع المعلومات الاستخباراتية داخل أفغانستان قد تراجع منذ الانسحاب الأمريكي لكن بلادها ترى ان أفغانستان لم تعد في صدارة قائمة الأولويات بل صار الأمريكان ينظرون إلى التهديد القادم من اليمن والصومال وسوريا والعراق فهناك التهديدات الأخطر على حد زعمها..
هكذا يعتقد الامريكان بأن بمقدورهم مواصلة اللعب بخيوط الإرهاب العنكبوتية والتهام دول المنطقة بهذا البعبع الواحدة تلو الأخرى..
لا نشك ابداً على قدرة الأمريكان في زراعة هذا الكيانات الإرهابية في خواصرنا كعربٍ وكمسلمين لكن لعبتهم لن تستمر في النجاح هذه المرة ليس فقط لانفضاحهم وانكشاف مخططاتهم ولكن أيضاً لأن شعوبنا باتت على قناعة بضرورة مقاومة هذه المشاريع الأمريكية الصهيونية في المنطقة.
* نقلا عن : السياسية