إن الكثير من الأبواق المأجورة نجدها منذ عقود من الزمن وإلى يومنا هذا لا تكف عن نشر الأخبار الكاذبة والأقوال الزائفة وذلك من أجل الحيلولة عن إقامة الاحتفالات بالمولد النبوي ، وحتى أولئك الذين ينتسبون إلى الدين الإسلامي نراهم يفتون جهلا بالتفسيق والتبديع على كل من يحتفل بمولد المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – بل وقد بلغ بهم الجهل إلى تكفير كل من احتفل به..
وآل سعود الذين هم أدوات للاستكبار العالمي هم من يدعمون ويشجعون هذه الأبواق المأجورة والجماعات المتطرفة على اختلاف أشكالها وعناوينها وأسمائها المتعددة والتي ليس لها مِن هَم إلا محاربة المحتفلين بمولد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ومنع الناس عن هذه الاحتفالات باذلين في سبيل ذلك الأموال الطائلة ومسخرين الإمكانات المختلفة وكأنه لم يبقَ أمامهم من منكر على وجه الأرض إلا الاحتفال بالمولد النبوي فهو منكر كما يزعمون ويجب محاربته مبررين زعمهم هذا بحجتهم بأن – الاحتفالات – لم تكن معروفة على عهد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ولا على عهد صحابته أو عهد التابعين..
وحتى لا يغتر بأولئك المضللين وفتواهم الخارجة عن الطريق المستقيم السذج من العوام والجهلة من الطغام فإني سوف أبين معنى البدعة ثم أردف ذلك بحقائق تفضح جهلهم بالدين وبمقاصد الشريعة وأصولها ، فهم لم يسبروا غورها ، ولم يدركوا سرها
معنى البدعة في اللغة:« الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء٬ ومنه قيل ركِيَّةُ بديع أي جديدة الحفر» والبديع المبدع٬ وبدع الشيء يبدعه بدعاً: أنشاه على غير مثال سابق٬ فهو بديع وفي التنزيل العزيز:(بديع السموات والأرض) أي مُنشئهما على غير مثال سابق٬ وأبدَعَ : أبدأ٬ والبدع: بالكسر الأمر الذي يكون أولاً يقال: ماكان فلان بدْعاً في هذا الأمر وفي التنزيل العزيز:(قل ماكنت بدعاً من الرسل) قيل معناه مبدعاً لم يتقدمني رسول٬ وقيل مبدعاً فيما أقوله…»(1)
وقال الراغب:« إذا استعمل- أي الإبداع- في الله تعالى فهو إيجاد الشيء بغير آلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان وليس ذلك إلا لله٬ والبديع يقال للمُبدع- ثم ذكر الآية-…»(2)
فالبدعة: ما استحدث في الدين وغيره ٬ قال الراغب: والبدعة في المذهب إيراد قول لم يستنَّ قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة»(3)
وقال صاحب «كشف الارتياب»(4): البدعة إدخال ما ليس من الدين في الدين ولا يحتاج تحريمها إلى دليل خاص لحكم العقل بعدم جواز الزيادة على أحكام الله تعالى ولا التنقيص منها لاختصاص ذلك به تعالى وبأنبيائه الذين لا يصدرون إلا عن أمره…» اهـ
والخلاصة من هذا كله أن البدعة: استحداث أمر ما يرفضه الذوق٬ ويستنكره العرف ولا يقبله العقل وليس له أصل في الشريعة ولا يدخل في أي أمر عمومي…»
ولذلك جاء في الحديث الذي رواه البخاري(5) بسنده عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» أي من أحدث أمراً لا يندرج تحت شريعتنا وليس له أصل ولا يدخل في أي لفظ عام فهو مردود
هذا ولتعلم بأن البدعة لا تكون بدعة إلا إذا فُعِلتْ بعنوان أنها من الدين٬ أما إذا كانت في غير الشرع فلا مانع منها لضرورة ذلك كالابتكار والابتداع في العادات والتقاليد وفي الأمور الحياتية والمعاشية وو… فالاحتفال بمولد المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم- ليس من هذا أو ذاك بل هو يدخل في عموم وجوب تعظيمه واحترامه – صلى الله عليه وآله وسلم- قال تعالى :(لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الفتح : 9] «قال ابن عباس : تعزروه تجلوه ، وقال المبرَّد : تعزروه تبالغوا في تعظيمه »(6)
وقال تعالى : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )[الأعراف : 157]
وكلمة(عزروه) تعني التعظيم والتبجيل والتكريم مع اشهار التعظيم…
وتعظيمه- صلى الله عليه وآله وسلم- كما يكون في حياته كذلك يكون بعد وفاته إلى قيام الساعة
فإشهار الاحتفالات في يوم ميلاده – صلى الله عليه وآله وسلم- وإلقاء الخطب والقصائد تعد مصداقاً لقوله تعالى:(وعزروه) ومصداقاً- أيضاً- لقوله تعالى:(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)[لأنشراح:7 ]
كذلك الاحتفالات النبوية هي نوع من رفع الذكر المذكور في الآية الآنفة الذكر
وخلاصة القول : أن هذه الآيات القرآنية – المذكورة آنفا – وغيرها جاءت تحثنا وتأمرنا بمحبة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وتعظيمه وتوقيره واحترامه ولكن لم تأتِ كيفية مخصوصة أو أسلوب محدد يبين لنا كيفية تعظيمه – صلى الله عليه وآله وسلم – فبإمكان المكلف أن يختار ما شاء من المصاديق التي تنطبق عليها تلك العناوين ولا يكون ذلك بدعة ولا إدخال ما ليس من الدين في الدين ..
فيمكن تعظيمه – صلى الله عليه وآله وسلم – بإقامة الاحتفالات والمهرجانات لأنها نوع من أنواع التعظيم له صلوات الله عليه وآله…
لدخولها في عموم الآيات الآنفة الذكر.
————————-
الهامش:
(1)- « المفردات في غريب القرآن »: للراغب الأصفهاني:(ص29).
(2)- المصدر السابق.
(3)- المصدر السابق.
(4)- الإمام محسن الأمين، ص(82).
(5)- [10/17]ح 2197. ورواه مسلم برقم (1778)، باب نقض الأحكام الباطلة.
(6)- « الشفاء »: (2/35) للقاضي عياض.