وصلت الحملة السعودية المسعورة ضد لبنان إلى حد يوصف بأنها نوبة مسعورة من الجنون والهستيريا، لا يمكن حصرها في سياق ردة فعل معينة مهما كانت التصريحات التي قالها جورج قرداحي ومهما كان تأثيرها على مملكة العدوان السعودية، بقدر ما هي انفجار كبير لحقد سعودي دفين ظل مخبوءاً لسنوات طويلة لينفجر دفعة واحدة في لحظة وصف فيها الأمير الذي يقود السعودية بأنه مختل ومضطر عقلياً.
هي أشبه بنوبة جنون انتقامية لا ردة فعل تجاه حديث قرداحي المتواضع عن الحرب السعودية الإجرامية على اليمن بوصفها حرباً عبثية، وبما أنّ السعودية آخذة في اجترار مواقفها المتدحرجة فأنا أعتقد بأن على اللبنانيين تركها بحالتها المضطربة تتناوب في حالة الجنون التي تعيشها، وأي تنازلات لها لن يكون لها معنى ولا أثر.
المسار التحريضي الذي تتخذه السعودية ضد لبنان ولا سيما في السنوات الثلاث الأخيرة، المحاولات الحثيثة لتأزيم الأوضاع المعيشية والاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية والأهلية في لبنان لم تكن لتنسلخ عن هذا الاجترار الهمجي ولا عن أحداث الطيونة ولا عن تفجير مرفأ بيروت، ولا عما سبق من استهداف أمني للضاحية وبيروت بالانتحاريين، ولا عن سياق المؤامرات التي استهدفت بها لبنان منذ زمن بعيد، وفي كل مراحل الاستهداف السعودي للبنان كان التركيز على تصعيد الاحتقان في الشارع على المقاومة اللبنانية، وفي كل مرة تفشل المحاولة، هذا الفشل السعودي تدحرج إلى حدوث انفجار كبير للأحقاد والعداوات والبغضاء السعودية تجاه لبنان، منذ يوم الأربعاء أخرجت السعودية ما في أضغانها من حقد واستعلاء وغطرسة تجاه لبنان.
ولفهم أوسع لا بد من مقاربة الحالة السعودية الراهنة، والوضع المتدحرج للسعودية ذاتها بعد الهزات التي تعرضت لها من اليمن، والآثار التي سببتها الحرب على اليمن كذلك.
في العام 2015 شنت مملكة العدوان السعودية حرباً تدميرية وعدوانية هوجاء على اليمن ، وكانت اليمن تمثل الحلقة الأضعف في المنطقة حينها، وفي الحقيقة أرادت السعودية المنبوذة من الحرب على اليمن تكريس هيمنتها على المنطقة كلها ، ولتكريس زعامتها السياسية والعسكرية والأمنية علاوة على الدينية التي تمتلك أسبابها ممثلة في وجود الحرمين الشريفين تحت سيطرتها ، متوهمة بأن القوة والثروات والأموال التي بحوزتها تؤهلها للزعامة ، ولهذا ترافق مع بداية العدوان ضخ إعلامي بأن السعودية تقود الأمة العربية وبأن الملك سلمان قائد العرب وأن الحرب على اليمن تكرس اتفاقية الدفاع العربي المشترك وإلى آخر ذلك من التسويق والبهرجة الدعائية التي راجت وقتها.
انكسرت الحرب السعودية وفشلت السعودية بكل حلوفها وتحالفاتها وبكل جيوشها ومرتزقتها الذين جلبتهم من كل أصقاع الأرض للقتال ضد اليمن، كسرت السعودية وأسقطت هيبتها وتحول جيشها إلى مضرب المثل، الارتدادات العنيفة التي تعرضت لها السعودية جراء حربها على اليمن لم تحجمها وتفقدها نقاط القوة فحسب بل وباتت تهدد وجودها وبقاءها، ولولا ما حدث لها من كسر وتحطيم وهزائم كبرى لامتد جماحها نحو بلدان أخرى.
ترى السعودية اليوم في لبنان بأنه الحلقة الأضعف، وترى أن عليها تعويض ما فقدته في اليمن بتحقيق أي إنجاز يمكن ذكره والحديث عنه والقول إن السعودية قوة عظمى، وهو قول أرادت تكريسه من الحرب على اليمن لكنها تحولت إلى مضرب المثل في الهزائم والانتكاسات.
اليوم تُناِزلُ السعودية بكل ثقلها وزيراً في الحكومة اللبنانية رأساً برأس، تستنفر كل شيء لإقالته وتصل إلى حد سحب السفراء وقطع العلاقات وإغلاق الحدود أمام البضائع بل وتحولها إلى أزمة ساخنة في المنطقة، ولهذا فإن ما تفعله برأيي هو أشبه بفعل العاجز الواهن الضعيف الذي لم يعد يؤثر ولا يستطيع تمرير أجنداته.
مراراً هدد الأمير الجموح محمد بن سلمان بأنه سينقل الحرب إلى طهران، مراراً مراراً هدد وليس مرة واحدة، لكن ابن سلمان اليوم يضع كل ما لديه من خيل وقوة وبيادق وأبواق ويحشد كل أركان مملكته وبكل المستويات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية رأساً برأس وزير واحد في الحكومة اللبنانية.