|
تحريك جبهة حرض
بقلم/ عبدالرحمن مراد
نشر منذ: سنتين و 9 أشهر و 21 يوماً الجمعة 11 فبراير-شباط 2022 07:05 م
بعد أن حقق الإعصار الأول والثاني والثالث مقاصده العسكرية والسياسية في دويلة الإمارات، سارعت الإمارات إلى خفض التصعيد ووجهت أذرعها بالانسحاب من مديريات شبوة والعودة إلى المكامن، وفي المقابل عادوا إلى التصعيد في جبهة حرض باعتبار السعودية هي الأقل خطرا على مصالح الصهيونية وشركاتها ورأوا أن لا ضير من تحريك الجبهات الحدودية، فهي قد تحقق لهم جزءا من الضغط العسكري، ويبدو أن نظام آل سعود لم يتعظ من معطيات سنوات العدوان السبع فبادر إلى تنفيذ الخيارات البديلة لإسرائيل وبريطانيا وأمريكا فحرك جبهة حرض ظنا منه أنه سوف يحقق تقدما أو يفرض واقعا جديدا عجز عنه خلال سنوات طوال مضت، ولم يراجع هذا النظام التاريخ ولم يقف عند عبره بقليل من التأمل حتى يعرف إلى أي منحدر تسوقه أقداره .
قد تكون السعودية حديثة العهد بالمصالح الاقتصادية الصهيونية، فحركة التطبيع بدأت على استحياء مع محمد بن سلمان وما تزال الصهيونية في طور تهيئة المجتمع السعودي حتى يكون بيئة مناسبة للشركات الاستثمارية الصهيونية التي تشترط الانحلال الخلقي والتفسخ القيمي من عوامل النجاح لها، لذلك نرى تكثيفا واضحا لنشاط هيئة الترفيه، وحتى يتحول مشروع مدينة ” نيوم ” – أو مدينة المستقبل الجديد – إلى حقيقة وواقع وضعت الصهيونية العالمية شروطا تنفذها السعودية في اطار خطتها التي سمتها رؤية ( 20-30 ) وبحيث تصبح نيوم نسخة من دبي أو تفوقها في إطار من التنافس بين أبناء الجيل الجديد من المشايخ والامراء في منطقة الخليج والجزيرة، وبحيث تصبح الهيمنة للشركات العابرة للحدود.
وقد نستشف الفكرة من خلال الاسم حيث جاءت مفردة ” نيوم ” لتدل على الغاية والهدف فقد غابت هوية المكان لتذوب في العالمية ” فنيو new ” مفردة إنجليزية تعني الجديد وأضيف اليها حرف M ) ) ليدل على المستقبل والمفردة مشروع صهيوني محض يدغدغ أحلام وطموحات ابن سلمان وهو يدل على المستقبل الجديد، ومن الملاحظ أن الصهيونية العالمية تشتغل على الفجوة الحضارية بين السعودية ودبي وأيضا الفجوة الاقتصادية لتخلق من ذلك حركة تنافس تعمل لصالح مشروعها في التمكين من إدارة الخليج والجزيرة ولا ترى من عقبة معيقة سوى المشروع التحرري الذي تقوده حركة أنصار الله في اليمن ويتعاضد مع مشروع حركة المقاومة الإسلامية، ولذلك لن يهدأ للصهيونية بال حتى تنال ما تريد في إطار مشروعها التوسعي في الخارطة العربية .
الفكرة التي تشتغل عليها الحركة الصهيونية ليست جديدة بل معروفة ومعلنة على الملأ منذ أمد وقد خرجت تصريحات من قبل قادة سياسيين ومفكرين صهاينة دالة عليها، فهم يرون أن إشغال العرب والمسلمين بعضهم ببعض واستغلال المساحات الرخوة والتمدد فيها، مثل ذلك سيعمل وفق رؤيتهم على فرض هيمنتهم والتحكم بالمسارات والسيطرة على مقاليد المستقبل في الخارطة العربية .
تسير الخطة الصهيونية في مسارين لا ثالث لهما، المسار الأول : إشاعة سفك الدماء من خلال تنمية العداوات والأحقاد، والمسار الثاني : إضعاف القوى الوطنية الحرة والمناهضة للمشروع الصهيوني، وقد كان المتوقع وفق خطتهم أن يصل العرب إلى مرحلة التيه والضياع بعد موجة الربيع العربي لكنهم وجدوا نموا مضطردا لمحور المقاومة الإسلامية حتى بات الأمر يقلقهم في مناطق ظنوا أنفسهم قد هيمنوا عليها من خلال حركة الانقسامات، وأقصد بذلك فلسطين .
اليوم أشعلوا جبهة حرض بعد أن مسهم الضر أو كاد بعد التصعيد الأخير في شبوة فلم يستمروا في تصعيدهم حتى لا يتمكن الضرر منهم فتراجعوا في شبوة وأشعلوا جبهة حرض فهي أخف ضررا عليهم وعلى مصالحهم، فتحركوا في المساحات التي تحقق مآربهم وأطماعهم، وفي ظني أن معطيات السنوات السبع قد قالت شيئا يمكننا بناء توقعاتنا عليه .
فحرض حضرت في كل مراحل الصراع بين اليمن والسعودية قديما وحديثا، ولذلك الطائرات الحديثة قادرة على فرض معادلة جديدة في جبهة حرض، وإن فرضتها مؤقتا لكن المستقبل سيكون منحازا وفق المعطيات التاريخية الى اليمن، ولن تجني السعودية من تصعيدها إلا من المزيد من الانكسارات وتكسر الصورة النمطية التي فرضتها البنية الثقافية والعقائدية في أذهان الناس والمجتمع المسلم .
لم تتعظ السعودية من كل التجارب، ولا من معطيات الأحداث، ولا من تقلبات المزاج الرأسمالي، ولا تعي الأطماع الصهيونية، ولذلك نراها تنساق كالبعير الشارد وراء ما يقال لها أو يطلب منها، في غباء سياسي مذل وغير واعٍ .
ما حدث ويحدث في جبهات الحدود كان كافيا لقادة السعودية أن يتعظوا به لو كانوا يعقلون لكنهم قوم جهلوا أو تجاهلوا وسوف يمدهم الله في طغيانهم يعمهون، فأمريكا وفق المعادلة السياسية الجديدة التي تتفاعل اليوم على المستوى الدولي قد تترك السعودية وحيدة في مواجهة مصيرها المحتوم، وهذا المصير يدل عليه مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يأمل أن يعيد تقسيم الخارطة العربية على أسس ثقافية وعرقية وطائفية وبموجبه سوف تنكمش خارطة المملكة حتى لا تتجاوز نجد ومدينة نيوم كمركز يدير اقتصاد الجزيرة العربية ويتحكم بمقاليده، والمستقبل سوف يكشف عن ذلك في الغد المنظور . |
|
|