تمضي قوى العدوان في غيها من خلال التمادي في سفك دمائنا، ومفاقمة معاناتنا بالمزيد من تشديد الحصار علينا، والعمل بمختلف الأساليب وشتى الوسائل على إخضاعنا وإركاعنا لهيمنتها، وإقرارنا في الدخول ضمن الصف الطويل والعريض من أبناء البشرية مجتمعاتٍ وشعوباً الذي يدين لأمريكا والصهيونية وبقية توليفة قوى الاستكبار العالمي بالعبودية المطلقة، ويتعامل معها بالخضوع التام، لا لشيء إلا لأنها الأقوى مادياً والأكثر تقدماً، ولكوننا لسنا بمستواها من حيث امتلاك مقومات صنع القوة التي تجعل منا بمنظور الإمبريالية أنداداً في كل شيء، فإن هذه القوى غير معنيةٍ بحسب ما تؤمن به من أفكار بإعطائنا أي شيء من الحق الذي لنا، وليست مستعدةً على أي حال للتعامل معنا على أساس من العدل، لأن التعامل باعتبار الحق أو العدل لا يجوز إلا في إطار وجود قوي بمقابل قوي آخر، لكون ذلك بحسب ما يعتقدون هو الفضيلة، لأنه إعطاء من قويٍ لقويٍ مثله، أما عدل القوي مع الضعيف واعترافه بالحق الذي له فهو رذيلةٌ وضعفٌ وتساهلٌ، من وجهة نظر الإمبريالية وقوى الاستكبار العالمي، لذلك فالقوي معذورٌ بكل المقاييس في كل ما يقول ويفعل، ومهما بلغت جرائمه واتسعت دائرة ظلمه للأمم الفقيرة والشعوب المستضعفة فذلك طبيعيٌ جداً، لأنه مستندٌ إلى القوة وقائمٌ بها، وليس على الضعيف إلا التقبل لكل ذلك والعمل على التكيف مع الواقع، لأن ضعفه يفرض عليه أن يكون أكثر خنوعاً وانقياداً وطواعيةً لكل ما يريده الأقوياء ويرغبون في الحصول عليه، كما أن ضعفه هو قدره الذي لا يجوز له وتحت أي مبرر الخروج منه إلى القوة مهما كان، إذ يُعد ذلك بالنسبة لقوى الهيمنة والاستكبار تعدياً على النواميس الكونية، وتهديداً خطيراً لنظام الحياة وآلياتها، لذلك نسمعهم يقولون كلما أراد شعبٌ من الشعوب انتزاع حقه في الحياة الحرة والكريمة، وفرض سيادته واستقلاله على الواقع كله: إن هذا يهدد الأمن والسلام الدولي والعالمي.
ليس هذا فحسب، بل إنه في شريعة الغاب المعمول بها في العالم المعولم لا يحق للضعيف أن يعيش مستقلاً عن سيطرة القوى المستكبرة، أو أن يطمح إلى البقاء خارج نفوذها، لأن ذلك يغري بقية المستضعفين بالخروج والتمرد على تلك القوى كما تعبر عن ذلك صراحةً في أدبياتها السياسية والفكرية.
أما حديث الضعفاء عن الأمل والمستقبل، وتحركهم على أساس الثقة بالله والاعتماد والتوكل عليه سبحانه، فهو الجنون بعينه بالنسبة للمستكبرين، لأن نظرتهم قائمة على أساس مادي محض لا يؤمن بالغيب ولا بالمعنويات أبداً، لذلك نحن اليوم بنظرهم واهمون ومجانين، لكن نعم الوهم وهمنا ونعم الجنون جنوننا.
* نقلا عن : لا ميديا