|
العيد بعين الشاعر
بقلم/ عبدالعزيز البغدادي
نشر منذ: سنتين و 7 أشهر و 15 يوماً الثلاثاء 03 مايو 2022 07:40 م
للعيد في نفوس الشعراء وفي عيونهم وعقولهم وقلوبهم ووجدانهم وكل تفاصيل حياتهم وقع يختلف عن وقعه عند غيرهم، أقصد الشعراء مكتملي الشعور والإحساس بالمحيط الاجتماعي بما يحمله من هموم وأوجاع وتأوهات، فمع كون الشاعر كبقية الناس له خصوصيته إلا أن مادته الشعرية المستمدة من الواقع يختلط فيها شأنه الخاص بالشأن العام وبعضهم يغلبه الهم العام فينسى نفسه لتلتهمه نار معاناة الناس وأحوالهم فيعيش حالة الاشتباك بين العادات والعبادات والممارسات التي أخذت تزحف على المجتمع بحكم الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن والتي فاقمها العدوان والحروب الداخلية الممولة من دمه وماله وعرقه وتَغوُّل قوى الفساد وتحالفاته الجديدة لتتحول الأعياد بصورة بشعة إلى مظهر للبؤس والتسول الجماعي بصورة مرعبة يصعب معها على أي إنسان اقتناص لحظة فرح ناهيك عمن يستمد وصف الشاعر من شعوره وحساسيته المفرطة إزاء ما يرى ويسمع من المعاناة وأنين الحاجة والفقر في بلد يُفترض أنه من أغنى شعوب الأرض، نسبت إليه السعادة في يوم ما لا يدري أحد متى أشرقت شمسه؟ أما أسباب الغروب فواضحة لكل ذي عين أو عقل وليس فقط لعيون وعقول الشعراء الذين وصفوا بأنهم في كل وادٍ يهيمون ليس لضعف عقولهم وإنما لاتساع بصيرتهم وعدم استعداد لفهم ما تفيض به قرائحهم !
يُجهد الشاعر نفسه بحسّه المرهف المتيّم بحب وطنه في البحث عن أسباب السعادة العامة في ركام التعاسة التي تملأ الأزقة والشوارع والبيوت وهذه مهمة صعبة لا أظن أن من يعنيهم الأمر مباشرة لديهم القدرة على التخلي ولو عن جزء من غفلتهم عن موجبات مسؤولية البحث عن أسباب الشقاء والغفلة وكيفية استعادة السعادة والحكمة التي قيل أنها مرت من هنا يوماً!
الشاعر إنسان يريد أن يتغنى بجمال الطبيعة والإنسان ويتجاوز أسباب التعاسة الجاثمة على الناس ويتخلص من مظاهر الموت المباشر وغير المباشر والإعداد له خدمة لطموحات من تلهيهم أطماعهم وطموحاتهم المريضة عن رؤية الحقيقة والشعور الإنساني والديني والأخلاقي بكل هذا البؤس الذي يطغى على المشهد ومكانة العدالة في الحياة.
في القرن الرابع الهجري أبدع المتنبي قصيدته التي جاء في مطلعها:
عيدٌ بأية حالٍ عُدت يا عيدُ
بما مضى أم بأمر فيك تجديدُ
أما الأحبة فالبيداء دونهمُ
فليت دونك بيداً دونها بيدُ
الشاعر المتنبي هنا يشكو بُعد أحبته عنه ويتمنى لو أن بينه وبين العيد ضعف المسافة التي بينه وبينهم.
المتأمل في القصيدة التي أصبح الشطر الأول من البيت الأول (عيدٌ بأية حالِ عدتَ ياعيدُ) مثلاً يضرب تعبيراً عن تفاقم سوء الأحوال العامة والخاصة من الناحية المعيشية والنفسية، أما في عصر المتنبي فقد جاء في سياق تعبيره عن حالة خاصة به هي حالة طبيعية لواقع اجتماعي كان الأصل أن غالبية الناس فيه يعيشون بصورة عامة في ظل بيئة فيها قدر من الوئام تختلف عما وصلت إليه حياة القرن الواحد والعشرين من تعقيد نتيجة زيادة السكان والسباق المحموم على المصالح وما نتج عن ذلك من اتساع رقعة الحرمان والتغير في طبيعة العلاقات، وهو فارق فلكي بين واقعين يصب لمصلحة شاعر القرن الرابع الهجري وتمكنه من التعبير عن معاناته الخاصة بكل أريحية، أما شاعر اليوم فإن معاناته في التقاط المشاعر في ظل هذا الكم من البؤس تجعله عاجزاً إلى حد كبير عن النأي بنفسه عما يرى ويسمع ويعيش، ولهذا فمبدع اليوم إن وُجد لا شك يفوق بمراحل ما وصل إليه المتنبي الذي شغلته همومه الخاصة عن أي هموم عامة لأن حجمها لم يكن قد تضخم نتيجة تضخم مؤسسات الإفساد الممنهج لكل جوانب الحياة الذي يقتات من غباء المحسوبين على الوطن بكل أشكالهم وتشكيلاتهم ودوافعهم وبعضه بتمويل يبدو إقليمياً وهو في الواقع لمن يتتبع مصدر التمويل الفعلي يجد أن تدمير اليمن تم ويتم من موارد وخيرات اليمن المنهوبة داخلياً وخارجياً ، ولأن المال عنصر جوهري في جلب السعادة فإن سعادة اليمن تنهب على يد من صفق البعض لمجيئهم لنهب خيراته، وإذا كان ما يقال إن عائدات النفط والغاز والذهب والثروة السمكية التي تنهب تحتجز في البنك الأهلي السعودي والبنوك الإماراتية ليصرف منها على من يستخدمونهم كغطاء لمسمى الشرعية صحيح، فهذا يعني أن سعادة اليمن تنهب اليوم على مرأى ومشهد العالم المصفق للشرعية المزعومة، وهو حال ينطبق عليه المثل القائل (من صابره طل له)، ولأنه مثل محلي قح لا بد من توضيح معناه ولو باقتضاب : فكلمة (صابره) الواردة بعد حرف الجر (من) تعني الوجنة و(طِّل) فعل أمر ومعناه الندى (له) أي للمحلوق له وهو مثل يطلق على الحلاق الذي يحلق بقليل من الماء أو بما قد يوجد في وجنة زبونه من رطوبة عرق أو نحوه ، ومن شر البلية أن السعودية والإمارات مؤسستا الجمعية الخيرية لتحالف دعم الشرعية تحتجزان عائدات اليمن من النفط والغاز والذهب وما تنهبانه من ثروة سمكية لسداد ما أنفقتاه في عدوانهما على مدى أكثر من سبع سنوات وما أزهق خلالها من أرواح اليمنيين وتدمير دولتهم تحت مسمى التدخل لاستعادة الشرعية المباركة ، ولهما من البعض الشكر على ذلك وما يساعدهما على كل هذه الوقاحة غباء الأطراف المحسوبة على اليمن المتصارعة على السلطة والمنشغلة بكيفية تقاسم المصالح بعد أن تضع الحرب أوزارها، ألا ترون أن الابتعاد عن السياسة ولو في العيد أصبح شبه مستحيل ؟!
هاهو العيد عادت عوائده
حط في مقلة المستحيل
أفاق الصباح بعينيه
أساريره في الفضاء تدلَّت
غادرنا كي يعود كعادته
وفي فيِّه نبعُ الأغاني
ووقعُ الخطى |
|
|