ويقول الله سبحانه وتعالى أيضا: {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} (الشورى: من الآية44)، هل هناك سبيل إلى أن نرجع إلى الدنيا، يبحثون عن الخروج من جهنم بأي وسيلة، ولو بوعد أنهم سيعودون إلى الدنيا ثم ينطلقون في الأعمال الصالحة {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} (الشورى: من الآية45)، كأن هذا في القيامة وهم في المحشر؛ ينظرون إلى جهنم؛ لأن جهنم تبرز يوم القيامة كما قال الله: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} (الشعراء:91) فيرونها وهي تلتهب وتستعر، ويسمعون صوتها، زفيرها، وشهيقها، يتساءلون: {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} (الشورى: من الآية44)، هل هناك ما يبعدنا عن هذه النار؟
{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ} مطأطئين رؤوسهم ومستكينين {مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} إلى جهنم {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيم} (الشورى: من الآية45). المؤمنون وهم يرون أولئك الذين كانوا في الدنيا كبارا، الذين كانوا في الدنيا معرضين عن دين الله ويسخرون من عباد الله سيرون أنهم في خسارة عظيمة، وهم يرونهم في وضع سيء، هكذا خاشعين من الذل ينظرون إلى جهنم نظرات مخيفة، نظرات شزر: لا يحاول أن يملأ عينه من رؤيتها، لا يحاول من شدة الخوف، هناك يتجلى من هو الخاسر، تجلت الخسارة على أفظع ما يمكن أن تتصور: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ – حقيقة هم – الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}، {أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}.
لأنه هنا لاحظوا في الدنيا قد يرى أي شخص من المنافقين إذا ما تعرض الناس لأي شيء فرأوهم مثلا يقادون إلى السجون أليسوا هم من يسخرون؟ أليسوا هم من يرون أولئك المؤمنين خاسرين؟ المنافقون، الجاهلون الذين لا يعرفون من هو الخاسر الحقيقي، يرونك وأنت في السجن، وأنت تعمل في سبيل الله، يرونك وأنت تطارد فيعتبرون أنفسهم أنهم حكماء وأذكياء أنهم هاهم آمنون في بيوتهم، وأن أولئك خاسرون.
وقد يقول للبعض: [ألم نقل لك بأن هذا العمل سيضيعك من بيتك وأهلك؟ كان احسن لك تبطل وتجلس بين مالك وتجلس في بيتك وبين أولادك وما لك حاجة].
هم ينظرون إلى ما يتعرض له المؤمنون أنه خسارة، لكن الخسارة الحقيقية التي هم فيها، الخسارة الحقيقية التي سيلقونها هم {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، أما من رأونا أننا خسرنا أنفسنا وأهلنا في الدنيا فليست خسارة، لو خسرت بيتك، لو خسرت أهلك وأولادك فطردت من بينهم فإن هذه ليست خسارة في سبيل الله. وقد يصل بك الأمر إلى أن تخسر نفسك وأهلك وأولادك ولكن في ذل وفي استكانة على أيدي أعداء الله وفي وضعية لا فضل لك فيها؛ لأنك كنت من قعدت، كنت من سكت، ومن توانيت حتى وصل الأمر بك إلى أن تخرج من بيتك غصبًا عنك، ثم لا فضل لك عند الله لا في الدنيا ولا في الآخرة.
أولسنا نرى الفلسطينيين يخرجون من بيوتهم؟ وتدمر بيوتهم ويطردون من بين أهلهم؟ من قبل من؟ من قبل أعدائهم، وأعداء الأمة اليهود، وهكذا يصل الأمر بالناس إلى هذه الدرجة.
فمن يقول: إنه يريد أن يحافظ على نفسه وأهله وبيته وماله قد يخرج منها رغمًا عنه، ثم لا يكون خروجه منها في سبيل الله بل حسرة وندامة، وتحت وطأة أقدام أعداء الله، أما المؤمن المجاهد الصابر الذي يعمل في سبيل الله فلو خسر نفسه، ولو خسر أهله وبيته وماله فإنه ليس خاسرًا، هو من سيقول فيما بعد عندما تتجلى له الأمور، وهو يرى أولئك الذين يرون أنفسهم في الدنيا أنهم كانوا أذكياء لم يتعرضوا – في مرحلة مؤقتة فقط وليس على الإطلاق – لم يتعرضوا لما تعرضت له أنت في سبيل الله، ستراهم أنت يوم القيامة ثم ترى أن كل ما نالك في الدنيا ليس خسارة، إن الخاسرين الحقيقيين هم أولئك الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وليس نحن، وليس أنت الذي خسرت نفسك وأهلك في الدنيا.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
سلسلة معرفة الله – الدرس الخامس عشر
دروس من هدي القرآن
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ8/2/2002
اليمن – صعدة
* نقلا عن : موقع أنصار الله