في حضرة الرحاب الإيمانية.. رصد لحظات احتفال أهل اليمن بيوم الهوية
في عيد الأعياد (جمعة رجب)..
ساحات ومنازل المدينة التاريخية عامرة بفرحة العيد وصِلَة الأرحام
أبناء صنعاء القديمة يقيمون مأدبة غداء على شرف وفود القبائل والجاليات الافريقية ويوزعون ألف وجبة على أسر الشهداء والفقراء والمساكين
عندما وصل الإمام علي -عليه السلام- إلى صنعاء اجتمع حوله اليمنيون على هيئة حلقة، ومن حينها سمى المكان إلى اليوم بسوق الحلقة، ويقع في قلب مدينة صنعاء القديمة، إليه توافد اليمنيون ليعلنوا اعتناقهم الإسلام أفواجا، هذه البقعة المباركة التي مكث فيها الإمام علي -عليه السلام- ثلاثة أيام في ضيافة أهل اليمن، استقبلوه استقبالا كبيرا، من صدع اليمنيون بإيمانهم وتجهزوا لنصرة الرسالة الإسلامية أفواجا.
الثورة / يحيى الربيعي
ويضيف الأخ عبدالله الرزامي عن وفد قبيلة همدان إلى زيارة الجامع الكبير وجامع الإمام علي -عليه السلام- وجامع الشهيدين، والمشاركة في مراسيم الاستقبال التي يقيمها اليمنيون كل عام في هذا الرحاب المقدس: هذه الساحة التي قرأ فيها الإمام علي رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أسماع اليمنيين، وفيها يحتفلون اليمنيون أن هداهم الله على يد وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وباب مدينة علمه الإمام علي -عليه السلام- إلى الإسلام، ودخلوا في دين الله أفواجا، وفخرا بيوم اكتساب اليمنيين للهوية الإيمانية.
وأكد الرزامي قائلا: هنا، في سوق الحلقة، يتكرر سنويا مشهد تاريخي مهيب، حيث يتجمع كل أبناء اليمن، ويأتون إلى هذا السوق أفواجا، في موقف مهيب، كي يعبرون عن عظمة الكيفية التي استقبل فيها أجدادهم وصي رسول الله الأمام علي -عليه السلام- برسالته التي يدعوهم فيها إلى الإسلام، ومن هنا آيات التهاني والتبريكات إلى قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يحفظه الله، وإلى المشير الركن مهدي المشاط – رئيس المجلس السياسي الأعلى وكل اليمنيين في ربوع اليوم بيوم الهوية الإيمانية عيد الأعياد جمعة رجب.
وأضاف: من هنا- من قلب هذا المشهد المهيب، أصبحت جمعة رجب عيد يتبادل فيه اليمنيون التهاني، ويتزاورون فيما بينهم ويصلون الأرحام والأقارب، وفي هذه الأيام يحيون هذه الذكرى؛ لتعزيز ارتباطهم بالدين الإسلامي، والمُضي على خطى المدرسة المحمدية.
وواصل: وهي المسيرة التي حمل رايتها من بعده – رضوان الله عليه – قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي – يحفظه الله – الذي جسد الهُـوِيَّة الإيمانية بكل معانيها ولا يزال في كُـلّ محاضراته وَخطاباته يذكر ويمحص الأجواء من شوائب الثقافات المغلوطة التي رانت على القلوب نتيجة الغفلة عقودا من الزمن.. طهر القلوب بكلمات ودروس شحذت همم وعزائم اليمنيين على مدى ثمان سنوات من العدوان على اليمن.. موجهات وتعليمات أوضحت للناس مسارات بعث الروح الجهادية في عزائم اليمنيين دفاعاً عن دينهم وعرضهم وعن أرضهم بكل إباء وثقة بما عند الله من نصر وتثبيت للمؤمنين برغم ما جاء به العدوّ من قوة حشد لها من كُـلّ اصقاع العالم، فكان اليمنيون بقوة إيمانهم لها بالمرصاد.
الارتباط الأزلي
وتتعدد مظاهر احتفاء اليمنيين بهذه المناسبة، حيث يؤكد مدير مديرية صنعاء القديمة أن إحياء هذه المناسبة يتوزع ما بين إقامة الندوات وحضور الفعاليات المختلفة، التي تربط هذا الجيل بالهوية الإيمانية، ويكون معتزاً ومفتخراً بهويته، وكذا مواجهة الحرب الناعمة التي يشنها الأعداء بمختلف الوسائل والطرق، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، لتمزيق النسيج المجتمعي، وضرب هويته وقيمه.
وتطرق إلى أن المتأمل في عمق الرسالة التي يبعثها هذا التجمع السنوي المهيب، لا شك يدرك أن عظمة يوم جمعة رجب ليس في أنها مجرد يوم من أيام الله، وإنما تمتاز عن سائر الأيام بكونها تعبير عن اليوم الذي حبى الله فيه اليمنيين بميزات في إيمانهم.. ميزات خلدت في إيمانهم استمرارية الارتباط الأزلي والمتجذر والمتأصل برسالته الإلهية السماوية على امتداد العصور وفي مختلف المراحل التي أرسل الله فيها الرسل وأيدهم بالكتب السماوية.
وواصل: من هذه البقعة الطاهرة، جاءت البشارة لرسول الله محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء وسيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم بترحيب اليمنيين بمبعوث رسول الله الإمام علي عليه السلام، وتشريفهم بالرسالة التي نقلها عن نبيهم وإعلانهم اعتناقهم للإسلام طوعا ومحبة واشتياقاً.
وأردف: إن اليمنيين حافظوا على هذه المناسبة بفضل من الله والاقتداء بأعلام الهدى من أهل البيت، ومثل إحياء المناسبة أولى أولويات ثورة الإحياء القرآني بقيادة الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي سلام ربي عليه، حَيثُ كان له الدور البارز في إحياء هُـوِيَّتنا الإيمانية إن لم يكن هو المنقذ لها من بين براثن الهُـوِيَّات الدخيلة، والتي كادت أن تحتوي على مجتمعنا الإسلامي ولعل أخطرها العلمانية.
فإنها مباركة
من جهته قال مدير أحياء صنعاء القديمة الشيخ يحيى أحمد الشقاقي إن أهمية إحياء هذه المناسبة لها صلة بالحفاظ على هويتنا الإيمانية الأصيلة وفي تجذير وترسيخ هذه الهوية لكل الأجيال الحاضرة والمستقبلية، وبذلك إجلال للمنحة التي منحها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اليمن وسام السلام والأمان، حين جعلها قبلة الناجين من عصف الفتن في الأرض، فقال صلى الله عليه وآله وسلم (إذا هاجت الفتن فعليكم باليمن فإنها مباركة)، (عليكم باليمن إذا هاجت الفتن، فإن قومه رحماء، وإن أرضه مباركة، وللعبادة فيه أجر عظيم).. (اللهم بارك لنا في يمننا.. اللهم بارك لنا في شامنا، قالوا: وفي نجدنا؟ قال: (هناك الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان).
مشيرا إلى أن الاحتفال بالمناسبة (جمعة رجب) في طقوس أهل اليمن، ليس مجرد طقوس عبارة، وإنما إحياء لذكرى يوم التتويج بالهوية الإيمانية (الإيمان يمان والحكمة يمانية).. فيه يجدد اليمنيون الولاء لله ورسوله ولأعلام الهدى.. اليمنيون هم أحفاد الأنصار وهم من وصفهم صلى الله عليه وآله وسلم بـ”الأرق قلوباً والألين أفئدة”.
الفطرة السليمة
فيما أوضح الأخ محمد حجر – أحد الشخصيات الاجتماعي أن عظمة الموقف تتجلى في أن إحياء هذه المناسبة فيه تأصيل وتعزيز الهوية الإيمانية اليمنية التي تعتبر مصدراً مهماً لبقاء الدين السماوي الإلهي المحمدي الأصيل بنقاوته وأصالته وحقيقته وقيمته لأن من آمن منذ اللحظة الأولى برسالة الله وبما جاء به مبعوث رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين هو يدرك بفطرته السليمة أهمية الارتباط بمثل هذه المناسبات والتي تحفظ للإسلام مكانته وموقعه بين مختلف الشعوب والأديان وتجسيدها في واقع الأمة والأجيال وبالتحديد في مراحل الشعب اليمني المتأخرة.
مؤكدا بنبرة متسائلة: لمَ لا؟ وهذه المناسبة هي من أعز وأقدس الذكريات في ارتباط شعبنا بالإسلام العظيم، ففيها كرّم الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم اليمنيين بتاج الهوية التي لم يمنح لقوم سواهم (الإيمان يمان، والحكمة يمانية).. الهوية التي أعطى الرسول الكريم خصوصية لأهل اليمن تقديرا لإيمانهم على نحو راق وعلى مستوى عظيم وأنهم على نحو متميز في واقع الأمة وبين أوساط الأمة في انتمائهم الإيماني.
طقوس سنوية
وفي توضيح عن توافد اليمنيين على هيئة وفود إلى ساحة الحلقة وإلى سروح الجامع الكبير بصنعاء والجوامع التاريخية في المدينة، يقول مدير مكتب القائد لبناء وتأهيل الأجيال بصنعاء القديمة محمد الجهمي: إنها طقوس يمارسها اليمنيون في عيدهم عيد الاعياد جمعة رجب، اليوم الأغر الذي مَنّ الله فيه على أهل اليمن بأفضل نِعمة وهي نعمة الإسلام حين دخلوا في دينه على يد مبعوث النبي إليهم الإمام علي عليه السلام، فاستجابوا لدعوة النبي الكريم الذي لم يجد ما يمنحه لهم من شدة فرحه بإسلامهم إلا أن خرّ ساجداً ثم قال (أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية).
ويواصل: وهي طقوس يعبِّر من خلالها اليمنيون عن إجلالها واعتزازهم بما توَّجهم به الرسول صلوات عليه وآله اليمنيين بمنحة عظيمة هي الهُـوِيَّة الإيمانية.. الهوية التي حملها اليمنيون كأفضل ما يجب، وكان لهم دورُهم البارزُ في تأسيس الدولة الإسلامية ابتداءً من مبايعة الأوس والخزرج للنبي في بيعتَي العقبة الأولى والثانية ومن ثم احتضانهم للرسالة في المدينة المنورة، إضافة إلى أن إسلام أهل اليمن كافة في وقت كان نبي الإسلام بأشد الحاجة إلى مناصرين فاشتد عضدُ الإسلام بهم وكانوا مع النبي في كُـلّ معاركه ضد الكفر حتى اتسعت رقعة الإسلام في كُـلّ أصقاع الأرض.
فضل ومنحة
مدير الإعلام بالمديرية حسين الكدس بدوه أوضح أن جمعة رجب، ذكرى لم ولن ينساها اليمنيون ما بقيت فيهم حياة، لمَ لا وهي البطاقة الإيمانية.. إنها هوية أمة، بطاقة تعريف بشعب قائد الأمة من نصر إلى نصر.. شعب أيّد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مُنذ بداية الدعوة الإسلامية.
مشيرا إلى أن جمعة رجب هي إحدى المناسبات الدينية التي لها دور كبير في تعميق الهوية الإيمانية، وتثبيت القيم الإنسانية الأصيلة.. جمعة رجب شرف وعزةٌ ووسام يفخر به كل يمني على مر الأزمان، إنها فضل ومنحة من الله قال تعالى:(قُل بِفَضلِ ٱللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَ ٰلِكَ فَلیَفرَحُوا هُوَ خَیر مِّمَّا یَجمَعُونَ) وتقول انه في ذاك اليوم دخل أهل اليمن الإسلام رغبةً وحبًا، طاعةً وولاءً لرسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وملبين ومتولين له ولمدينة علمه- الإمام علي، عليه السلام.
محاولة فاشلة
أما العلامة علي محمد يحيى كيدمة – إمام جامع بروم بصنعاء القديمة فيؤكد أن إحياء هذه المناسبة كانت تقام على مدى ثلاثة أيام في صنعاء القديمة يمارس فيها الأهالي كل مراسيم اعياد الفطر والأضحى، إلا أنه وعقب عهد الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي، تحديدا بالثمانينيات قد حاول المذهب الوهابي أن يبدع هذه المناسبة وأن يطمس مظاهرها الاحتفالية لعقود من الزمن، إلا أنها ظلت محفورة في قلوب اليمنيين.
وأشار إلى أن مسيرة الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه- القرآنية، وقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يحفظه الله أعادت الروح إلى الهوية اليمنية، الهوية الإيمانية التي تحمل في عمقها التاريخي حقيقة أن شعب اليمن لا يذل ولا يستكين للطواغيت وأتباعهم، ولن ينجر لمؤامراتهم المُستهدِّفة للدين بقيمه وتعاليمه، وأن أهل اليمن هم السباقون للولاء لله ورسوله ولعل السبق في الإسلام كان لأسرة آل ياسر بدورها المشهود فيما ثبتها به صلوات الله عليه وآله في حال تعذيب قريش لها: “صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة”.
ويضيف: ولإسلام الأوس والخزرج في صدر القرآن شهادة ربانية لا يُمل سماعها المؤمن لعبق رائحتها الإيمانية الأسطورية فيما سطر القوم من موقف وثقه كتاب عز من قالل: (وَٱلَّذِینَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلإِیمَـٰنَ مِن قَبلِهِم یُحِبُّونَ مَن هَاجَرَ إِلَیهِم وَلَا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِم حَاجَة مِّمَّا أُوتُوا وَیُؤثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَة)، فكانت القبيلتان اليمنيتان هما المصدقتان بكل ما جاء به رسول الله- صلوات الله عليه وعلى آله- هذا الموقف المشرّف الذي كان مناقضًا لموقف قريش المستكبرة للحق وأهله.
وأردف: يكفي اليمنيون الأنصار شرفًا آنذاك قولهم لرسول الله عندما وجههم للخروج معه في معركة بدر ضد الكفار، قائلين له: “قد آمنا بك وصدقناك فامض يا رسول الله فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، إنا لصبرٌ عند الحرب، صدقٌ عند اللقاء”.
مضيفا: ها هم الأنصار اليوم سائرون على درب أجدادهم في الولاء والوفاء لحفيد رسول الله قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، يحفظه الله.. نهج الأنصار اليوم هو نفسه نهج الأنصار في الأمس.. نهج قول وفعل، فما نسمعه من الأنصار اليوم بقولهم: لو خضت يا سيدي البحر لخصناه معك، هو نفس القول بالأمس إن ارتباط أهل اليمن – آنذاك – بالرسول وآل بيته، هو نفسه الارتباط اليوم، فالزمن يعيد نفسه ويسير على المنوال ذاته والطريقة عينها.
واختتم: يكفي اليمن عزًا ما قاله الإمام – علي عليه السلام – في قبيلة همدان: (يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي، وما نُصرتُم إلا بالله ورسوله، وما أجبتم غيره).
عيدية وصلة رحم
وفي هذه الزيارة، اصطحبنا الأخ عبدالقادر عبدالله النوبة إلى مظاهر عيدية كاملة الطقوس من التحية العيدية وصلة الأرحام التي يتبادلها أبناء المدينة التاريخية فيما بينهم، وهناك في منزل النسيب عبدالله النوبة حظينا بحفاوة تراحيب وسلام العيد، كل عام وأنتم بخير، ومن عيون المباخر نتبخر بروائح العود الأصيل، ونرتش بأجود العطور، وفي الديوان أعدت صحون الجعالة والمشروبات العيدية.. وحضر الأطفال يلبسون ملابس العيد الجديدة.
وعن عظمة هذه اللحظات يؤكد آل النوبة أن اليمنيين يحتفلون بجمعة رجب عيدا ثالثا في الإسلام، بل إنه عيد الأعياد، فهذا اليوم الأغر هو عيد خص به اليمنيين دونا عن العالمين، وحتم علينا الواجب اجلاله وتعظيمه.. وأن نحتفل به عيدا كامل الطقوس؛ نلبس الجديد ونزور الأرحام ونقيم فيه مجالس الذكر والتسبيح.!!
مأدبة غذاء
وفي مبادرة من أبناء مديرية صنعاء القديمة ومساندة الهيئة العامة للأوقاف، أقيمت مأدبة غداء جماعية في مدرسة نشوان بصنعاء القديمة على شرف وفود القبائل اليمنية والجاليات الأفريقية، كما وزعت بالمناسبة قرابة 1000 وجبة جاهزة لألف أسرة من أسر الشهداء والجرحى والأسرى والمفقودين والمرابطين والفقراء والمساكين وأحفاد بلال في صنعاء القديمة والأحياء المجاورة لها، وساهم في التنظيم فرسان التنمية وأعضاء اللجان المجتمعية بأمانة العاصمة في المديرية.