مُنذ أن بدأت البشرية ومنذ بداية الصراع بين ابني آدم كان للصراعات والنزاعات أخلاقية مثل ( لئن بسطت يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك ) وحتى بعد أن قتل هابيل قابيل بعث الله غراباً ليعلّم القاتل منهما أنه لابد أن يواري سوءة أخيه ودفن جثته.
هنا تبرز أخلاقيتان
الأولى: من (المُعتدى عليه) حيث أنه لم يواجه الاعتداء باعتداء فلم يبسط يده ليقتل أخاه كما فعل الآخر من أجل الدنيا.
والأخلاقية الثانية: من (المعتدي) فحين أكمل اعتداءه على أخيه وقتله علّمه الله بان أرسل غرابأً لكي يواري جثة المُعتدى عليه.. وكان هذا الصراع صراع تملّك واستئثار وحيازة بينما الصراع الأقسى والذي يجب أن يكون له معايير أخلاقية أكبر هو صراع الأفكار فلابد للأفكار حين تتنافس من ضوابط وإلا أصبحت هذه الأفكار لا قيمه لها حين يحكمها قانون الغاب وقانون الأقوى
فالتعامل مع الأفكار وحامليها يتم بصورتين:
الأولى: صورة التعامل الأخلاقي
الثانية: صور التعامل اللا أخلاقي
وهنا يبرز المحور الأساس فالإسلام كفكرة ودين ومحمد بن عبد الله كحامل للرسالة قد تعرض الرسول ودينه لهذين النوعين من المواجهة وفي نفس الصعيد لم يتعرض الإسلام والرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.. لمخالفيه إلا بطريقة أخلاقية فقط، بينما هناك ممن يحسبون على هذا الدين قد تعاملوا مع المخالفين بطريقة أساءت إليه وبينما آخرون بطريقة أخلاقية إن لم يكن من فضل لها أن أدخلت المخالفين في الإسلام على الأقل قد جعلتهم يبدون احترامهم له كدين ولحامله الرسول كنبي.
وسأبدأ من تعامله (ص) مع مخالفيه وأوامر القرآن الكريم له بالتعامل الأخلاقي حين يكون للأخلاق مجال وحتى يكون التعامل الآخر وفي الجهه المقابلة كيف تعامل مخالفوه معه سواء من خالفه بأخلاقية كالمقوقس وغيرهم ممّن خالفه بتعامل لا أخلاقي فحين جاء (ص) وآله ضد الجاهلية فلم يقل أنه يجب إزالتها وأنها ظلال فقد قال (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وهذا يعني أنه ليست الجاهليه كلها يجب هدمها بل إنه ينطلق منها لتصحيح المسار برغم ما قالوا عنه أنه شاعر وساحر .... الخ .
ولذلك علمه الله ليبلغ أصحابه (ولا تسبوا آلهة الذين كفروا فيسبوا الله عدواً بغير علم) وبرغم ذلك واجهوه بتعامل لا أخلاقي مواجه هذا التعامل بأن هاجر بعض أصحابه إلى الحبشة وهو قام بالهجرة الى المدينة من أجل ألا يحدث صدام أو نزاع.
وبعد أن وصل المدينة واجهوه باعتداءات عسكرية فواجههم بأخلاق الأنبياء الفرسان بأن رد على الاعتداءات فليست من أخلاق الفرسان الهرب من الميادين إذا فرضت عليه الحروب وتعامل من المؤمنين كما حكى الله ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ومع المنافقين حين لم يقم بتصفيتهم( لا يقول العرب أن محمدا يقتل أصحابه )وتعامل أخلاقيا مع أصحابه ولا تطرد الذين يدعون ...
أما تعامله مع اليهود فقد قام بتأمينهم وحمايتهم والحوار معهم ورغم تكذيبهم له فهو يقوم بحمايتهم ولكنهم رغم ذلك قاموا بخيانته أكثر من مرة والأخلاق والعقل تقول أنه لا يمكن أن تقوم بحماية وتأمين من يقوم بخيانتك فحينها قام بإجلاء اليهود ولكن حين كرر بعضهم الخيانة وليس محاولة اغتياله (ص) فقط وإنما خيانة عسكرية لاستئصال شأفة الإسلام تعامل معهم عسكريا وفي إطار معين . فتعامله مع الجاهليين ومع المنافقين وحتى مع أصحابه لم يخرج عن سياسة الأخلاق.
وقد حاز النصارى كغيرهم من التعامل الأخلاقي منه (ص) على نصيب وافر فبعد شهادة (بحيرا الراهب) أو ( جيرجس )كما يسميه المستشرقون عنه وبعد شهادة ورقة بن نوفل أنه نبي آخر الزمان بل إن مسيحييّ عهد النبوة وماقبله كانوا يعرفون أنه سيظهر من يثرب ويثرب بالقبطية القديمة ( أرض المهجر ) وهذا ما يفسّر ما صنعه النجاشي مع جعفر بن أبي طالب ومع المهاجرين إلى الحبشة من حيث المعاملة ويفسر أيضاً صلاة النبي (ص) على النجاشي حين مات .
وكذلك حينما جاء نصارى نجران إليه (ًص) منكرين لنبوته ولكهنم لعلمهم أنهم يعلمون أنه النبي فقد قام بمباهلتهم تراجعوا خوفا من أن تكون نهايتهم كما في سورة المائدة (قل تعالوا ندع ....,,,)
ولنقرأ مثلا رسائله الى المقوقس العظيم القبط الذين منهم ينحدر الآن أحد أركان الفيلم المسيء للنبي (ص) وآله وسلم.
يخاطبه بشخصه (من محمد بن عبدالله) الى المقوقس عظيم القبط محتفظاً له باللقب سلام على من اتبع الهدى أمّا بعد أدعوك بدعاية الاسلام أسلم تسلم واسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم القبط .
أسلم تسلم ليس المقصود بها هنا السيف كما يفسر بعضهم وانما تسلم من النار بدليل أنه كرر قوله بعد أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فاسلم تسلم الأولى تعني النجاة من النار وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين تعني الفوز بالجنة والنعيم في الدنيا ثم قال فإن توليت فإن عليك إثم القبط لأن أقباط مصر يعرفون أنه النبي وأن يثرب تعني أرض المهاجر بالقبطية وأنه سوف يخرج منها.
ولننظر أيضاً الى تعامله مع مسيحي آخر وهو ( هرقل ) عظيم الروم نفس الخطاب الذي وجهه للمقوقس إلا أنه قال فإن توليت فعليك إثم ( الإريسيين )الإريسيون هم طائفة من طوائف المسيحية الموحدين الذي حاربهم أوغسطين في العصور السالفة وهم يعرفون كل شيء عن النبي (ص) ومنهم بحيرا الراهب فإن عليك إثم الإريسيين أي إثم من يعلم الحقيقة من الموحدين المسيحيين لأن من يعلم وينكر أشد عذاباً من غيره لكن المقوقس عظيم القبط آثر الحفاظ على ملكه ولم ينكر النبي ولم يؤمن أيضاً فقد أرسل جارية له وهي مارية القبطية كهدية للنبي (ص) وقد أصبحت أحدى زوجاته ولكن لأنه لم يؤمن لم يحافظ الله له على عرشه وسقط بينما هرقل عاند برغم معرفته ومعرفة الاريسيين بحقيقة النبي (ص) فما جاء الإنجيل الذي يعني التبشير باللاتينية إلا مبشرا بمحمد (ص ) فعناد هرقل جرّ عليه الهلاك بعد أن قام بمحاربة النبي (ص) في تبوك ومؤتة.
وإلى مسيحي آخر وكيف خاطبه من محمد بن عبدالله إلى النجاشي الأصحم وهنا لما لقبة الأصحم ملك الحبشة سلام عليك فأني أحمد الله الملك القدوس المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة الطيبة الحصينة فحملت ,فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه , أدعوك الى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وإن تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني فإني رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا ومعه نفر من المسلمين فأقرهم ودع التجبر فإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى ..
هنا دعاه بلقبه العربي الأصحم لأن الأحباش والنجاشي من أصول عربية وحين خاطبه جعفر (رض) بالقرآن فهمه بالعربية لأنه عربي من العماليق وليس كالأريسيين والقبط.
وكذلك تعامله مع كسرى عظيم الفرس وخصصه بقوله فإن أبيت فعليك ( إثم المجوس ) المجوس حينما لاحت بشائر بعثة نبي الله عيسى فإن أحباراً من المجوس أتوا للبحث عن روح الله عيسى عليه السلام لعلهم بمولده وهذا موجود في الإنجيل وحينما لاحت بشائر بعثة محمد صلى الله عليه وعلى آله جاء سليمان من فارس باحثاً عن الحقيقة متحملاً أعباء العبودية لشيوع الفكرة عند المجوس في ذلك الحين فأصبح بسبب ذلك سلمان من أهل البيت تكريما له ولبحثه عن الحقيقة بعد ما سمع عنها لذلك قال لكسرى فإن أبيت فعليك إثم المجوس لعلمه بذلك وحين عاند أسقط الله عرشه لمكابرته.
وكذلك كان أخلاقي التعامل مع أهل مكة حين دخلها فاتحا فلم يسفك دماً وقال علاوة على ذلك من دخل دار أبي سفيان فهو آمن وقال لهم لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء..
وكذلك حين جاءه جبريل بعد أن رجمه أهل الطائف هل أطبق عليهم الأخشبين (أي الجبلين) قال: لا.. عسى أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله .. لذلك قال عنه الله تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم).
أما المحور الثاني التعامل اللا أخلاقي مع مخالفيه اليوم فالغرب يسعى أن يكون مخالفوه أما من داخل المسلمين كسلمان رشدي في كتابه آيات شيطانية.. أو مستشرقين متفرغين لدراسة الإسلام.. أو محتكين بالمسلمين كبعض الأقباط وآخرهم من قام بصياغة الفيلم (براءة المسلمين) وكذلك الراهب الأمريكي الذي أحرق المصحف، أو بالرسم كما حصل في الدانمارك والسويد وفرنسا وغيرها.. فهم يهاجمون الإسلام ونبيه بوسائل فكرية مختلفة كالأفلام والكتب والرسوم والدراسات والأغاني وغيرها.. بعكس ما فعله هندوسي شهير وهو غاندي ويعكس ما فعله كثيرا من عباقرة الغرب كروجيه غارودي وغيره من أصناف.
فالغرب فيه من يستخدم الخلاف الأخلاقي ومن؟ هم المستفيدون يواجهون الإسلام بحرب صليبية كما قال (بوش) رئيس الولايات المتحدة الامريكية سابقاً ولكن في رد الفعل الإسلامي على ذلك كان هناك رده أخلاقي من الذين يردون الشبهات بالكتب وبالرسوم وبالأناشيد وبالأوبريتات ولترجمة القرآن وبالسنة وبالتوعية وبالمظاهرات المستنكرة لترار الإساءة للرسول صلوات الله عليه وللإساءة وإحراق القرآن .
بينما الذين ردوا بلا أخلاقية على ذلك بالتفجيرات وبالقتل والاختطاف وحرق الكنائس والإنجيل أو من يؤكدون الإساءة للنبي كما حصل في مصر حالياً حين قاموا في الدستور المصري بسن تشريع يقضي بأن زواج الفتاة يبدأ من التاسعة أو من يحرفون شريعته ويمنعون المرأة من ميراثها خصوصاً في اليمن هذه كلها إساءات له أصلاً..
أومن يسنون أن حكم المرتد هو القتل وهذا ما يخالف الإسلام وسنة الرسول في حاطب ابن أبي بلتعة الذي قام بخيانة عظمى للإسلام قبل فتح مكة وهذا بمثابة ارتداد لم يقتله النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم لأنه (لا إكراه في الدين ) فهذه إساءه السياسية للرسول الكريم
من يقول أن صليبيي الغرب وحدهم من يسيئ للرسول فحرق الكنائس وتفجيرات سبتمبر وإحراق الإنجيل فهل هو رد لا أخلاقي من المستفيد من ذلك سوى الغرب لذلك لابد من الصراع الأخلاقي في كل مجال حتى في الميدان لابد من التحلي بأخلاق الفرسان..
أختم بقول عيسى عليه السلام: (ومبشراً بنبي يأتي من بعدي اسمه أحمد) فالإنجيل يعني التبشير والبشارة.. فمحمد عليه الصلاة والسلام كان أهم محور في الإنجيل لذلك حاربه اليهود واليوم يجعلون من أتباع المسيح عليه السلام أحد أدواتهم لمحاربته (ص)
كما يستغلون الحمقى باسم الإسلام لكي يسيئوا للإسلام بتشويه معنى الجهاد .
* نقلا عن : المسيرة نت