قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) فالتبيُّنُ هنا التحقُّقُ قبل الحكم؛ ولأن التذكير يعد جانباً من التبيين، فَـإنَّ تذكير الإنسان بما يحب عليه وما يفرض عليه من أعمال تجاه ربه واتّجاه أمته أمرٌ يعد من أهم الواجبات؛ لأَنَّه تبيُّن حقيقة الدين وتبين مخاطر الانحراف عن أخلاقنا كمسلمين.
وليس للإنسان أي مبرّر في عدم القيام بهذا الواجب وهو يعد جهاداً في سبيل الله، جهاد الكلمة والنصح، جهاد إرشاد إلى هدى الله، جهاد التبيين؛ لما له من أهميّة كبيرة في عصر أصبحت فيه الدعابةُ وتحريفُ الحقائق أخطرَ الأسلحة فتكاً بالعقول، وأصبح الإعلام الركيزة الأَسَاسية التي تدخل ضمن منظومة الحرب الناعمة.
إن ما أوصل الأُمَّــة إلى هذا المستوى من الضياع والتناحر ليس التدخل العسكري فحسب، بل هو ابتعادُها عن التمييز بين ما هو حق وما هو باطل؛ نتيجة الثقافات المغلوطة التي دخلت إلى مجتمعاتنا من أبواب عدة، دخلت عبر نافذة الإعلام المرئي وازداد خطرها أكثر عندما دخلت عبر الانترنت مستخدمةً شبكاتِ التواصل الاجتماعي، فكانت ملازمةً للإنسان في كُـلّ وقت وفي كُـلّ مكان.
وهنا لا بُـدَّ أن نؤكّـد على ضرورة أن تقابِلَ هذه الجبهةَ المنحرفة جبهةٌ توعوية تكونُ السياجَ الذي يمنعُ الأفكارَ والرسائلَ المراد وصولها إلى مجتمعنا المسلم فعندما تجد آلة الحرب الناعمة فراغاً فكرياً لدى شباب الأُمَّــة الإسلامية فَـإنَّها تسعى إلى أن تملأ ذلك الفراغ بما تريد من أفكار وثقافات ترسخ ثقافتها وتسوّق أفكارها التي بطبيعة الحال سوف تترجم إلى سلوك وأفعال تكون وبالاً على الأُمَّــة وتخدم توجّـهات أعدائها.
تأتي تلك الثقافاتُ والأفكارُ المنحرفةُ على هيئة منظمات تحمل مسميات إنسانية أَو ترفع شعارات توحي في ظاهرها بأنها جاءت لتقدِّمَ خدمةً يفتقدُها المجتمعُ، بينما هذه الخدمة لا تعدو عن كونها طُعماً ما يلبث أن تتبين أهدافُها الحقيقية التي تسعى؛ مِن أجل تحقيقه، وهو التغيير الجذري في منظومة الأخلاق؛ حتى يسهُلَ عليهم تسويقُ أفكارهم وتغييرُ توجّـهات المجتمع، وبالتالي سلوكه هذه الأساليب التي ينفق عليها المبالغَ الطائلة يجبُ أن يُقابَلَ بأُسلُـوب حذر، من خلال سد الفراغ الثقافي لدى شباب الأُمَّــة بثقافة الإسلام وأن يكون هناك اهتمام بجانب الوعي، فالمعركة أصبحت معركةَ وعي.
فعندما يعجز الأعداءُ في معاركهم التقليدية يلجؤون إلى غزو المجتمع من الداخل، وهنا يأتي فرضُ جهاد التبيين كسلاح مضاد لحروبهم الناعمة.