تتجلى حقيقة الإنسان أولًا في انتمائه الإيماني، ثم يتجلى واقع الإنسان لأكثر من ذلك، أكثر من مجرد الانتماء، أهم ميدان تتجلى فيه حقائق الناس وخباياهم وخفاياهم، ويخرج ما في أعماق نفوسهم إلى واقعهم العملي: فيما يقولون، وفيما يفعلون، أهم ميدان يجلِّي الناس، يكشف الناس، يوضح الناس، يبين الناس… هو ميدان الصراع، فمثلًا: في واقع الإيمان والقيم الإيمانية، وما عليه المؤمنون، تتجلى تلك القيم- التي هي في الأساس جذورها في أنفسهم: معتقدات، ومبادئ، ومعانٍ، ووجدانٍ إيماني: محبة لله، وخوف من الله، وتعظيم لله، ونفوس زاكية وصالحة… تتجلى تلك القيم- في الممارسات، في السلوكيات، في الأعمال، في المواقف، وما عليه الخبيثون: الإنسان الذي هو خبيث، ولو كان ينتمي للإيمان، ولو كان يقدِّم نفسه حتى متدينًا، يتجلى ويتضح وينكشف ذلك الخبث في واقعه العملي، في سلوكياته، في مواقفه، في أقواله، في أفعاله، في تصرفاته؛ فيتضح حقيقة ما هو عليه.
في ظل ظروف اعتيادية ليس فيها أمور حساسة، ولا مشاكل، ولا أخطار، ولا تحديات، ولا انفعالات، ما يثير حالة الانفعال لدى الناس، قد يظهر الكثير من الناس: [ما شاء الله العظيم من أهل الخير، وأطيابًا ومؤمنين]، ولكن عندما تأتي مثل هذه العواصف من الأحداث المزلزلة: فيها مخاوف، فيها أخطار، فيها انفعالات، فيها… عوامل تحرك هذا الركود والجمود في واقع الناس؛ فيخرج ما في نفوس الناس، وما في قلوبهم، وما في أعماق أنفسهم، ليتجلى في واقعهم العملي والسلوكي: في الأقوال، والتصرفات، والمواقف، والولاءات، والعداوات… تظهر كل الأمور، ولهذا نجد في هذه الآية المباركة: {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ}، آية مهمة، هذه الآية المباركة في سورة آل عمران، وهي تأتي في إطار الحديث عن هزيمة أُحد، ما ترتب عليها من: تضحيات، ومأساة، واهتزاز كبير داخل المجتمع الإسلامي آنذاك، المجتمع المسلم تسببت هزيمة أحد في إحداث اهتزاز كبير،
وغربلة كبيرة لواقعه الداخلي، البعض ممن كانوا في الماضي يظهرون كمؤمنين، صالحين، صادقين، ثابتين، جادين، أوفياء، لو أن المسألة مجرد كلام- مثلًا– البعض يمكن أن يطلّع لك قائمة طويلة من المبادئ التي يزعم على أنه عليها، فيقول مثلًا: [أنا من الأوفياء، وأنا من الصادقين، وأنا من الثابتين، وأنا من الكذا، وأنا وأنا…]، يعبِّر عن نفسه بقائمة طويلة عريضة يزعم أنَّه على تلك المبادئ والقيم، لكن عندما تعصف الأحداث تكشف حقيقة الناس، تغربلهم، هذه سنَّة إلهية، وما كان الله ليترك المؤمنين في كل عصر،
في كل زمن، في كل جيل، إلَّا وتمضي عليهم هذه السنة، هذه سنَّة إلهية مع كل الأجيال؛ ولهذا أتى التعبير القرآني على هذا النحو: {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} ما يمكن أن يترككم على ما أنتم عليه: واقع يمكن أن يدخل فيه الخبيث مع الطيب، يمكن أن يقدِّم الجميع أنفسهم على أنهم: طيبون، وصالحون، وأبرار، وأخيار، وملائكة، ومن أهل الخير… لابد؛ لأن الله لا يقبل الغش أبدًا، لا يقبل الخداع، لا يمكن للإنسان أن يخادع الله -سبحانه وتعالى.
اللــه أكــبر
المـــــوت لأمــريكا
المـــــوت لإسرائيل
اللعنة على اليـهود
النصر للإسلام
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
محاضرة النهضة الحسينية الثانية للعام الهجري 1440هـ.
* نقلا عن : موقع أنصار الله