عن مسؤولية الخطباء؛ قال السيد القائد: إنَّ “مسؤوليةَ الخطباء عظيمة ومقدسة، وتمثل حاجةً ضروريةً للمجتمع”، كلامُ السيد القائد جاء من منطلق درايةٍ مسبقة؛ وكأنهُ ما قال هذا الخطاب إلا بعد أن حضر أكثرَ من خطبةٍ في أكثر من جامع؛ لذلك قال السيد القائد: “بعض الخطباء يعتمد أُسلُـوبَ الشتات في طريقة تقديم المواضيع، ولا يضع برنامجاً لموضوعاتِ خُطَبِه، وهذا خطأ”؛ فظهر السيد محفِّزاً الخطباء على التنوع؛ لأَنَّ المصلين فعلاً سئموا من سماع الخُطَب المتكرّرة، والقصص عينها، والشواهد ذاتها، كأن الدينَ قد خلا مما يمكن أين يتناولَه.
كَثيراً ما أرى في يوم الجمعة، أشخاصًا يحضرون إلى المسجد في وقتٍ متأخِّرٍ من الخطبة الثانية، وآخرين حتى وإن جاء قبل أن يصعدَ الخطيب على المنبر إلا أنهم يجلسون في صحن المسجد، سئلت أحدَهم عن ذلك؛ فقال: نعم “أشعر بالذنب والتقصير، لعدم اهتمامي بخطبة صلاة الجمعة؛ لأَنَّ فيها تتكرّر السيناريوهات؛ فتوصلتُ إلى أن العيبَ ليس عيبي، ولكن الأمر وما فيه، هو ضعفُ الخطيب، وموضوع خطبته”، إن كان هناك من يُلام، فهو ذلك الخطيب الذي أخجل من تسميته خطيباً؛ فالخطابةُ شأن عظيم، وليس كُـلّ من خلق الله له لساناً، يصحُّ أن يكونَ خطيباً.
السيدُ القائد يقول: “تحَرُّكُ الخطيب يجبُ أن يكونَ بروح إيمانية، وألا يكون هدفه أن ينال شيئاً من الدنيا أَو من السُّمعة والجاه”، هنا يجب أن نسأل: على أي أَسَاس يتم انتقاءُ الخطباء عندنا؟، هل بطول اللحية؟، أم بعددِ الأجزاء والملازم المحفوظة؟، أم بعدد الورش والدورات التي حضرها؟، أم… أم…؟؛ فمن الواضح أن الفصاحةَ، والبلاغة، والإبداعَ، وتمثيلَ القُدوة؛ شروطٌ مهمشة، ولماذا يكونُ الخطيبُ فصيحاً، وبليغاً، ومبدعاً؟، هي مُجَـرّدُ ثانويات، سواء توفرت أم لم تتوفر؛ فهذا ليس مهماً، المهم ألا يكون أخرسَ.
دائماً ما تتكرَّرُ قشور الدين كُـلَّ جمعة، من دون الخوض في ما قد يمُسُّ شؤون المسلمين؛ فكم علمنا أن كذا وكذا دون أن نعرف فحواها؟؛ لذلك يرى السيد القائد أن “عنوانَ الإيمان وترسيخَ الانتماء الإيماني يجبُ أن يكونَ في مقدمة المواضيع التي يتناولها الخطباء.. والتذكير بالالتزام الأخلاقي، والاهتمام بمكارم الأخلاق.. في ظل استهداف الأُمَّــة في قيمها”، والتذكير بالمواضيع التي تلائم حياتنا، في ظل موجات الحرب الناعمة، إذ لم نسمع خطبةً واحدةً تنبّهُ الناسَ وتحذّرهم بشكلٍ يتلاءم مع واقع المعركة، ربما تحدّث الخطيب عن كُـلّ ذلك، لكن لانخفاض صوته، وضعفِ شخصيته، وسوءِ تحضيره لخطبته، لم يسمع أحد، أَو لم يهتمّ ليسمع، ولماذا أسمعُ مَن لا يُجيدُ التحدُّثَ؟!
بالأخير، أرجو أن تكونَ هناك أُسُسٌ أفضلُ لاختيار الخطباء، وموْضوعاتٌ أنفعُ للخطابة، كما نريد خطيباً يجبرُنا على الاستماعِ إليه والاستمتاعِ بما يقول؛ لروعته، وتهزّ وجداني بلاغتُه، ويقشعرُ بدني من موضوع خطبته، لعلِّي أتَّعِظُ، وأنتفع بما يقول، واللهُ من وراء القصد.