قبل أيام، نشرت في حسابي الآخر عن جريح تم إهمال حالته الصحية التي تسوء يوما بعد يوم، وقلت: لن أنشر، وسأنتظر، علّ وعسى نحصل على استجابة... ولكن دون فائدة، لذلك أنا مضطر لنشر قصته ومعاناته.
تاريخ الإصابة عام 2019 في جبهة نهم. أصيب بشظايا في العينين، مما تسبب في فقدان 75% من القدرة البصرية. أجرى عملية في صنعاء؛ ولكن لم تنجح، وقال الأطباء إن علاجه في صنعاء شبه مستحيل، فهو يحتاج لزراعة قرنية في الخارج. تابع الجهات المعنية واللجنة الطبية وقرروا أنه بحاجة للسفر والعلاج في الخارج، وقال له مسؤول الجرحى: سنتصل بك لإبلاغك بموعد السفر. استعد وقطع الجواز وانتظر إبلاغه بموعد السفر. ولكن إلى اليوم مايزال ينتظر، ولا أحد بلغه.
كان يتواصل بمشرفه، فيقول له: بطِّلْ كسل وتعال رابط!... يقول: أين أرابط؟! ما بين اقدرش اشوف أمامي، بالكاد أشوف يدي!
ولكن بدون فائدة. كل هذا وحالته تسوء يوما بعد يوم، لدرجة أنه عندما يذهب إلى المسجد يصلي يخرج ولا يستطيع تمييز حذائه (أعزكم الله) من بين أحذية المصلين، فيضطر لترك حذاءه والعودة بدون حذاء، كي لا يخطئ ويأخذ حذاء مصلٍّ آخر.
ليست حالته الصحية فقط التي تتدهور، بل وحالته النفسية أيضا. ومما ضاعف سوء حالته النفسية هو شماتة بعض الأنذال: «هيا ما فعلوا لك؟! سرت أديت رأسك معاهم وحين جرحت ما حد عبَّرك». وفوق هذا كانوا يقطعون رعايته، بذريعة أنه ما رضي يسير يرابط، ويسير يتابع وكرهاً يستخرج رعايته، إلى أن حصلت له الضربة الموجعة!
عندما يئس من السفر والعلاج استلف شوية زلط لأجل يتزوج، وكلم أهل خطيبته أنه ناوي يتزوج، فكان الرد الذي قصم ظهره: «بلغنا أن ابنكم ما عد بيبسرش، وبيمشي في الشارع ومعه واحد يقوده، واحنا ما عنزوجش بنتنا لواحد «بصير»، لأجل تقوده في الشوارع! تعالوا شلوا شنطتكم!». وفسخوا الخطوبة فعلا.
والآن تخيلوا مقدار سوء الحالة النفسية لشاب عمره 21 سنة! وللعلم أنه الجريح الثالث بين إخوته، وأخوهم الرابع شهيد.. فهل يجوز هذا الإهمال؟!
تواصلت بمن أعرف ووعدوا بحل مشكلته وحاولوا فعلاً؛ ولكن ترجع الأمور تهدأ، والبعض منهم أصبح يتجاهل اتصالاتنا ولا يجيب عليها؛ فهل أصبحت مشكلة هذا الشاب المجاهد صعبة ومستعصية لهذه الدرجة؟!
المؤلم أنه في منشوري السابق دخل أحد المرتزقة وعلق قائلا: «اتحركوا به إلى مأرب وسجِّلوه ضمن جرحى الشرعية وخلال أسابيع يسفروه الهند». كلمت الجريح بهذا فقال: «والله لو حياتي بأيديهم ما أسير عندهم، والباري عيلطف بي ويهدي خُبرتي ذي أهملوني».
اتقوا الله في أعظم من أنجبت اليمن. هؤلاء بذلوا أرواحهم للدفاع عنا، فلا يجوز أن نقابل إحسانهم بهذا الإهمال المؤلم!
اتقوا الله في جرحانا.
* نقلا عن : لا ميديا