عبدالرحمن مراد
طباعة الصفحة طباعة الصفحة
RSS Feed مقالات ضدّ العدوان
RSS Feed
عبدالرحمن مراد
التحكم في مقاليد الثورة والمستقبل
البنية الثقافية اليمنية.. “رؤية تحليلية”
عالم اليوم من منظور عقلاني
حواراتُ السلام في المنطقة
ملامح المرحلة وطبيعة المعركة
معيارُ القوة في الوجود الإسرائيلي
عن العدو وتفكيك خطابه
مبدأ الخيانة في معيار التاريخ
المعرفة القوة الحقيقية في المستقبل
معادلةُ البنك بالبنك والمطار بالمطار

بحث

  
الذات والقيمة الحضارية والثقافية
بقلم/ عبدالرحمن مراد
نشر منذ: سنة و 8 أشهر و يومين
الجمعة 24 مارس - آذار 2023 04:57 ص


يبدو أن تدفق الأموال يرتبط بالنوايا المبيَّتة نحو اليمن، وهي حالة تاريخية مازالت تتوالى منذ ذلك الأمد البعيد الضارب بملامحه في عمق التاريخ وحتى اليوم، فالأموال التي تتدفق إلى اليمن لا تكون مقرونة أو مصحوبة برغبة الاستقرار، بل برغبة زعزعة الأحوال واضطراب السهول والجبال، فالقضية مع مال المترفين قضية شائكة لم تكن بذات الأبعاد التي وصلت إليها في الزمن المعاصر، إذ أنها اتسعت اتساعاً مفرطاً مع اتساع دائرة الفقر في البعدين الرأسي والأفقي.
لم تعد اليمن ذات قيمة وجدانية وثقافية في تصورات الناس ولا تشكل عنصراً فاعلاً وقوياً في بيئة الانتماء والهوية الوطنية والحضارية والتاريخية، فقد رأينا خلال الأحداث التي عصفت بنا منذ 2011م وحتى هذه اللحظة التي نعيش فيها كيف تعامل أبناء اليمن مع اليمن، فهو لم يتجاوز القيمة العددية.. ثمن بخس دراهم معدودات، ومثل ذلك أمر دال على حالة نكوص وجدانية وحالة شلل وتعطيل في البنية الوطنية وفي نسيج الهوية والانتماء، وهو نتاج عقود من الاستهداف والتدمير بأموال المترفين التي كانت وماتزال تتحرك في الجغرافيا اليمنية منطلقة من بعد ثقافي والتزام أخلاقي تجاه مقولة أو أثر أو وصية قيل إنها انطلقت من لسان أحدهم في لحظة تاريخية فارقة تحسباً أو توقعاً أو استسلاماً لحسابات فلكية، بيد أن مثل ذلك لن يطول به الأمد، فسنن الكون تقول إن المترف الذي تأخذه الأماني إلى أبعد مدى تكون عاقبته هي العظة التي تعظ الغافلين حتى يعودوا إلى رشدهم، وهي الآية التي تعيد التوازن إلى حركة المجتمع وحركة الحياة، فالله وصف نفسه بالعدل، ومن العدل أن يُعيد التوازن إلى حركة الحياة ولو مدَّ أهل الترف زمناً في طغيانهم يعمهون، فالقضية هنا قضية جوهرية وهي ثابتة في صميم التجربة البشرية من حيث التمادي في الطغيان ومن حيث معالجة الانحراف بالعودة إلى التوازن الذي يريده الله تحقيقاً لخاصية العدل والمساواة، والعبرة لمن يتعظ، ولا أرى إلاّ أن مقادير الله كائنة في الزمن الذي نعيش حتى تتساوى موازينه، وثمة رموز وإشارات يتحدث عنها الواقع تومئ إلى قادم جديد، والى حالة أجد لا يكون الغرور حاضراً فيها بقدر الحضور الأمثل لإرادة الله في العدل وفي المساواة وفي الحياة الآمنة والمستقرة.
لقد آن لتلك الذات المغتربة عن بعدها الحضاري والثقافي أن تستعيد وعيها بذاتها ولا أرى ما يحدث اليوم إلاّ تباشيراً دالة على يقظة تاريخية ويقظة حضارية، ولا أرى أولئك الذين ينالون من اليمن في القنوات الفضائية مقابل دراهم معدودات إلاّ امتداداً لما يماثله في التاريخ بدءاً من أبي رغال ولن يكون انتهاءً بهم، فالزمن ما يزال يحمل لنا الكثير من العجائب والغرائب، كما أن حالة التضليل والفراغ والنكوص التي بدت عند رموز سياسية بعينها كان لها ما يماثلها أيضاً.. فالذين ناشدوا المجتمع الإقليمي والدولي بالتدخل العسكري في اليمن وهم ينتمون إلى مشاريع قومية أو تحررية أو مشاريع تطلعية لم يكونوا إلاّ تعبيراً عن حالة «فراغ» لا يجد امتلاءً إلاّ بتكامله مع الآخر المغاير، وهو في السياق ذاته لا يجد نفسه متكيفاً مع شروط واقعه ولا مع الأبعاد الحضارية والثقافية أو التاريخية ذات المساق الوطني.
لقد كشفت الأحداث الغطاء عن كثير من رموز المزايدات في الوطن وقالت الأحداث إن الذين يتحدثون عن مصالح الوطن لم يتجاوز المفهوم في نظرهم مصالحهم الذاتية المستغرقة في ذاتيتها، وحين سالت دماء الأبرياء على تراب هذا الوطن لم تنبت إلا الأشجار التي تثمر في مخازنهم وبيوتهم وفي منازلهم الفارهة على شواطئ الثلج، ولم يجد اليمن من كل شعاراتهم إلاّ لحظة الألم أو الموت أو الفاجعة.
فاليساري الذي يقول بالعدالة الاجتماعية أصبح جزءاً من حركة الانكسار في المجتمع، واليميني الذي يقول بالمصلحة المرسلة، وبالقضاء على الفقر، حصر المصلحة في ذاته وقضى على الفقر في جماعته دون سائر الناس، والقومي الذي يقول بالتحرر أصبح يدعو القوى الاستعمارية للعودة والتدخل وبسط الهيمنة، وكل ذلك يجري تحت ثنائية قديمة جديدة وهي (الفقر / اليمنية)، فالصراع بين اليمنية وذلّ الفقر صراع قديم ولن يقف عند حد طالما واستمرت حركة الحياة.
فاليمن يحضر بقوة في الذات ومهما تطاول المتطاول، فالمتطاول في نكوص واليمن في علو مستمر، وقد رأينا زهو أعراب صحراء الخليج وهو ينتفخون فخراً في السنين الخوالي عند معالم مارب وعند سدها التاريخي، كيف تلاشى ذلك الشعور حتى أصبح رذاذاً لا تكاد تراه العين، ورأينا حركة الأفواه على شبكات التواصل الاجتماعي وعلى القنوات الفضائية وهي تلوك الحروف وتمضغها حتى كادت أوداجهم تنفجر ولكن العاقبة للمتقين، فلا تكاد ترى لهم اليوم من أثر ولا تكاد تسمع لهم ركزا.
اليمن ذات عمق تاريخي، وهي تنتصر لنفسها حتى وإن بدا الواقع كما بدا عليه في بداية العدوان عام 2015م، إلا أن المقومات الحضارية والثقافية تشكل نسقاً دفاعياً ما يبرح يتشكل حتى يصبح الحال كما هو عليه اليوم من حيث القوة والمنعة، ومن حيث تبدل المعادلة العسكرية لتصبح اليمن كما عهدها تاريخها.
ولعل من أغرب ما تركته الأحداث، هو خروج ثلة من الأدعياء ينفون حضارة اليمن ويدّعونها في حالة هي التعبير الأمثل عن الهزيمة النفسية والحضارية والثقافية فضلاً عن الهزيمة العسكرية في شتى الجبهات التي يتكبدها العدوان، رغم التفوق في العدة والعتاد وفي المال ورغم الحصار والفقر الذي نحن عليه في اليمن، إلا أن فقرنا يشدّ من عضده الثراء الحضاري والثقافي والتاريخي، وثراء السعودية يفت في عضد فقرهم الثقافي والتاريخي والحضاري، ولذلك لاذوا بالتاريخ نفياً وانتقاصاً تعويضاً عن نكوص نفسي يجدونه في واقعهم.

تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى مقالات ضدّ العدوان
مقالات ضدّ العدوان
طالب الحسني
اليمن كيف تحولت من الدفاع إلى الهجوم!؟
طالب الحسني
طاهر علوان الزريقي
إيران لن تتخلى عن حلفائها
طاهر علوان الزريقي
أنس القاضي
المناورات البحرية"الإيرانية الروسية الصينية" طبيعتها ودلالاتها
أنس القاضي
طارق مصطفى سلام
ثمانية أعوام من العدوان والحصار ..عزائم الأبطال لن تلين
طارق مصطفى سلام
عبدالفتاح حيدرة
من وعي كلمة السيد القائد في اللقاء الموسع مع العلماء وخطباء ومرشدي الجمهورية..
عبدالفتاح حيدرة
شرحبيل الغريب
ما سر القلق الصهيوني من اتفاق إيران والسعودية؟
شرحبيل الغريب
المزيد