تشهد مدينة عدن بين الحين والآخر مواجهات عسكرية بين الأطراف اليمنية المسلحة التي كانت وما زالت تقاتل صفا واحدا تحت قيادة قوات التحالف في عدوانه الآثم على اليمن، وما زالت الأخبار تتوالى بشكل شبه يومي عن أعمال الفوضى والتفجيرات الانتحارية والاغتيالات التي تطال غالبا مجندين عسكريين، ونقاطا أمنية، وأئمة مساجد وناشطين سياسيين.
أواخر يناير الماضي شهدت مدينة عدن أكثر المواجهات العسكرية دموية وأشدها صراعا بين ما يسمى بقوات المجلس الانتقالي وقوات ما يعرف بالشرعية التي يرأسها (عبدربه منصور هادي)، فمن يقف خلف هذا الصراع الدموي بين الطرفين وكلاهما يتحرك تحت أوامر قيادة قوات التحالف، ويستمد منها شرعيته ودعمه المالي والعسكري؟ وما الهدف من هذا التناحر الداخلي بين اليمنيين في جنوب اليمن؟
كان الهدف المعلن من وراء هذا الصراع الدامي هو إسقاط حكومة الشرعية التي يرأسها (أحمد عبيد بن دغر)، تحت عناوين مختلفة أبرزها اجتثات الفساد وتحقيق حلم القضية الجنوبية في الانفصال، وتوفير الخدمات…وسواها، فيما كان الهدف الحقيقي الذي تسعى إلى تحقيقه قوى التحالف العدواني هو تقليص نفوذ سلطة (عبدربه هادي) وحكومة (بن دغر) في الجنوب لحساب المجلس الانتقالي الذي يقوده عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك، ويتكون من قوى انفصالية وجماعات سلفية متطرفة يصل عددها إلى حوالي عشرة آلاف مسلح يشكلون ما يعرف بقوات الحزام الأمني، ومن المعروف أن هذا المجلس أنشأته الأمارات خارج سلطة الدولة، ليصبح الطرف النافذ ميدانيا في الجنوب، والحامل لتطلعات الجنوبيين، وحلم في تحقيق الانفصال من خلال دعمه المالي والعسكري، وإضعاف الكيانات الجنوبية الأخرى.
نهاية يناير الماضي قامت قوات المجلس الانتقالي بمهاجمة معسكرات سلطة الشرعية، وإسقاطها، واحتلال مقراتها، بهدف الإمعان في إضغافها، والتحكم في سير حركتها ومضامين قراراتها إلى درجة عدم السماح لرئيسها (هادي) بالعودة إلى عدن.
في وقت سابق كانت الإمارات قد عمدت من خلال تحريك أدواتها الجنوبية لاجتثاث حزب الإصلاح/الأخوان المسلمين في عدن وحضرموت وكثير من مدن الجنوب وإحراق مقراته واحتلالها، واعتقال قياداته وأعضائه والتنكيل بهم في سجون ومعتقلات تديرها الأمارات، بالرغم من كون حزب الإصلاح واحدا من القوى التي تقاتل تحت راية التحالف العدواني على اليمن.
لا يمكن قراءة سعي الأمارات إلى بناء قوى عسكرية جنوبية متصارعة بمعزل عن أطماعها التي تسعى إلى تحقيقها في جنوب اليمن ، فقد عملت الإمارات بشكل تدريجي وسريع على استغلال مشاركتها في تحالف العدوان على اليمن لفرض سيطرتها على أغلب الموانئ اليمنية ابتداء من ميناء عدن المنافس القوي لميناء دبي البحري، ومرورا بموانئ المكلا والشحر والمخا، والسيطرة على الممرات والسواحل والجزر اليمنية في البحر الأحمر وخليج عدن، ومن أجل تثبيت سيطرتها على الموانئ والجزر اليمنية، تعمل الإمارات على صناعة الفوضى وإدارة الصراع بين الأطراف اليمنية الجنوبية لإنتاج كيانات ضعيفة متصارعة غير قادرة على حماية نفسها فضلا عن حماية الممرات التي تقع تحت أيديها، وهو الأمر الذي يوجب ضرورة استقدام حماية أجنبية تحت عنوان قوات السلام تحقيقا للأجندة الأمريكية والبريطانية في السيطرة على أهم الممرات المائية في البحر الأحمر وخليج عدن ورعاية مشروع التقسيم في اليمن .
المصالح بين قوى النفوذ العالمي وبين الأمارات متشابكة، ففي حين تقوم الأمارات بدورها ككيان وظيفي لتحقيق الأجندة الاستعمارية للأمريكان والبريطانيين في اليمن والمنطقة العربية تتلقى الأمارات دعما بريطانيا أمريكيا لا يقف عند حدود تلميع صورتها في الغرب وتقديمها في شكل نظام خليجي يعمل على محاربة الإرهاب والتطرف ويدعم الاقتصاد الحر والأنظمة العلمانية، بل يصل دعم واشنطن ولندن إلى التعاون مع الإمارات في تجنيد المتطرفين من تنظيم القاعدة ودعمهم، ففي سنة 2016م كشفت تقارير صادرة عن هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أن تنظيم القاعدة يقاتل في اليمن جنبا إلى جنب مع قوات التحالف ما أدى إلى انتشار عناصر تنظيم القاعدة على نطاق واسع داخل اليمن”.
شمالا ظلت الإمارات العربية المتحدة محتفظة بعلاقاتها مع الرئيس صالح بعد أن تنحى عن السلطة على خلفية أحداث ثورة فبراير الشبابية، وكانت تسعى إلى عودته مرة أخرى إلى كرسي الرئاسة من خلال ابنه أحمد علي عبدالله صالح الذي يعيش في الإمارات سفيرا من قبل العدوان وما يزال حتى اليوم. لكن سعيها قد باء بالفشل وتم القضاء على حليفها صالح بعد فترة قصيرة من انقلابه على شركائه الحوثيين، وهو الأمر الذي دعا الإمارات إلى التقارب مرة أخرى مع حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يعد ألد أعدائها، وتجميع بقايا أنصار صالح في معسكر تسعى مؤخرا إلى تشكيله ودعمه تحت قيادة ابن أخيه العميد طارق، لاستخدامهم كورقتين في مواجهة قوى الجيش واللجان الشعبية في الشمال
الخلاصة ما لم تستوعب الأطراف اليمنية المختلفة خطورة المرحلة الراهنة التي تستوجب التخلص من الارتهان للقوى الخارجية والسعي إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة من خلال حوار يمني يمني يقدم مصلحة الوطن العليا على كل المصالح الحزبية الضيقة فإن هذه الأطراف ستظل وقودا للصراع البيني الذي ينتج عنه التفريط بسيادة الوطن وتسليمه للقوى الخارجية.