مثلت ثورة فبراير 2011م فرصة تاريخية ليتحرر الشعب اليمني من نظام “فوضوي إقصائي” ويبدأ عهدا جديدا يبنى على أسس قانونية تكفل العدالة والحرية للجميع، فقد أمل الشعب أن تمثل ثورة فبراير انعتاقا من المظلومية والحرمان والإقصاء، غير أن صفقة “المشترك والمؤتمر” أدخلت البلد في عهد نظام أكثر فوضوية وإقصاء من سابقه، بإسناد دولي تقوده أمريكا سعيا لتطبيق شعارها “الفوضى الخلاقة” وبتعميد خليجي عرف بالمبادرة الخليجية، لتشهد اليمن أسوأ سلوك سياسي في العصر الراهن، على يد ثلة من قيادات حزبية فاسدة ومفلسة، أرادت فقط أن تبقى في السلطة لتمارس الفساد وتسرق قوت الشعب، وتقصي مكونات وطنية أثبتت حضورها بقوة على مستوى الحراك الثوري والمجتمعي.
لم تقبل تلك القيادات الفاسدة قيام شراكة وطنية تسمح بانضمام مكونات سياسية وطنية نزيهة وشريفة، لأنها ستمثل عائقا لفسادها ونهبها للمال العام واستغلالها للسلطة في خدمة مصالحها الضيقة، فكانت هذه الممارسة الإقصائية الانحراف الأخطر في مسار ثورة فبراير.
وبرغم أن السياسة لا ديمومة للعداء فيها ولا وفاق دائما فيها أيضا إلا أن تلك القوى أثبتت أنها على عداء دائم وكبير مع المكونات الوطنية الشريفة يصل حد الإقصاء بل ويتجاوزه إلى الرغبة في الإلغاء، خاصة حين يكون الطرف القادم هو “أنصار الله” إذ يقابل بعدائية شديدة في كافة الممارسات، ولعلكم تذكرون كيف قال الإخواني الإصلاحي محمد قحطان: “لن نسمح بوصول أنصار الله إلى السلطة وإن اقتضى الأمر عودتنا للتحالف مع حزب الرئيس السابق”.
وتذكرون كيف رفضت ما سميت بحكومة الوفاق تتفيذ النقاط العشرين المهيئة للحوار، ثم كيف تهربت من تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وتحايلت عليها.
فكان لا بد من قيام ثورة 21 سبتمبر 2014م كثورة شعبية بامتياز وإن قادها أنصار الله، فالشعب المستهدف اقتصاديا في قوته، وأمنيا في حياته، وسياسيا في وحدته، أدرك أنه لا بد من إسقاط هذه السلطة الظالمة الفاسدة قبل أن تسوء الأوضاع إلى حد يصعب عنده معالجتها.
ثورة شعبية بامتياز لكونها ثورة لا إقصاء فيها، توجت باتفاق السلم والشراكة الموقع من قبل جميع الأطراف السياسية، إيذانا ببدء مرحلة الشراكة الوطنية.
ومع هذا لم يقبل النظام الذي خطف ثورة فبراير بالشراكة فشكل حكومة بحاح بالتركيبة الإستئثارية ذاتها.
استمرأ النظام “فوضاه” تارة بالتحايل على اتفاق السلم والشراكة، والتنصل عن تنفيذه تارة أخرى، وصولا إلى سعيه لفرض أخطر ترتيبات الفوضى في البلد المعروفة بالأقاليم الستة.
وحين اضطر الثوار لمعاودة فعلهم الثوري لوقف الخطوة الخطيرة أقدم النظام على خطوة شريرة أيضا ليس لها من هدف سوى إدخال البلد في فوضى عارمة من خلال استقالتي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، اللذين أرادا أن يخلقا فراغا دستوريا فوضويا.
هنا أدرك الشعب أنه لا مناص من مواجهة فوضى النظام مواجهة أكثر فاعلية تحفظ البلد، وتوقف تحركات الإقصائيين، فكان التفويض لقائد الثورة وللجان الثورية لاتخاذ ما يلزم لسد الفراغ وإدارة المرحلة الانتقالية نظرا لتخلي النظام عن مسؤولياته.
وما هو إلا شهر ونصف تقريبا من الإعلان الدستوري، وستة أشهر فقط على ثورة 21 سبتمبر حتى شنت قوى العدوان الأمريكي السعودي وحلفاؤها عدوانا غاشما على اليمن بمساندة مرتزقتها الذين سطوا على ثورة 11 فبراير، تحت شعار زائف هو إعادة السلطة الشرعية.
واليوم ونحن نوشك على اكتمال ثلاثة أعوام من صمودنا بوجه العدوان والمرتزقة، وبعد عملية الفرز الكبيرة التي شهدتها الساحة اليمنية، نجد أن نظام 11 فبراير يشكل فريقا واحدا، مواليا لقوى العدوان، يسمعنا اللغة الإقصائية ذاتها، غير مستوعب لكل الأحداث الكبيرة التي شهدتها اليمن، وغير مستوعب أنه حكم على نفسه بالنفي جراء خيانته لوطنه وشعبه.
إن أحزاب نظام 2011م مصابة بعقم سياسي مستعص – فمواقفها مثلا تجاه مكون أنصار الله لم تتغير ولا تتغير، سواء كانت تلك الأحزاب مسيطرة على السلطة أو غير مسيطرة.
ولا يكمن السبب في نزعتها الإقصائية لعقمها السياسي فقط، فواقع عمالتها الذي تجلى في كثير من المواقف آخرهما القبول بالمبادرة الخليجية وتأييد العدوان على اليمن يؤكد أنها تنفذ أجندة خارجية في إقصاء المكونات الوطنية الشريفة أيضا، وهذا ما لن يتحقق بإذن الله تعالى لأن هذه المكونات التي توكلت على الله تعالى لديها إيمان مطلق بالشراكة الوطنية، ولديها استقلالية في التفكير السياسي، تنحاز دوما لمصلحة الشعب فانحاز الشعب لها، وانطلق الجميع باستعداد دائم لأن يفتدوا تربة الوطن بدماء خيرة رجالهم.
ختاما..
ليس العيب في ثورة فبراير إنما في من اختطفها، وليس العيب في ثورة سبتمبر إنما في من واجهها..