في 27 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2018 أعلن وزير الدفاع الأمريكي، جميس ماتيس، من مؤتمر المنامة، عن تسوية يجري إعدادها بإشراف أميركيّ لوقف الحرب في اليمن، وترتكز على تقسيم البلاد إلى مناطق حكم ذاتيّ. وأشار خلال مؤتمر “البحرين للأمن” إلى أنّ التسوية المزمع إعدادها “تعطي المناطق التقليديّة لسكّانها الأصليّين، لكي يكون الجميع في مناطقهم”، وقال: “إنّ الحوثيّين سيجدون فرصتهم في الحكم الذاتيّ”.
أوجز ماتيس، في تصريحه هذا، الاستراتيجية الأمريكية لليمن، وقد كان ذلك بالتزامن مع محاولة غزو الحديدة، بهدف عزل المناطق الحرة ذات الكتلة السكانية الأكبر، والأقل في حجم الموارد، بهدف ضرب الثورة، وجعل “الحوثيين” يهزمون “الحوثيين”، كما قال الباحث الأمريكي في مؤسسة جيمس تاون، مايكل هرتون، في اقتراح له عام 2021 للتخلص من الخطر الذي يمثله الأنصار على مشروع الهيمنة الأمريكي.
كتب هرتون في 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2021 تحليلا نشر على موقع “ريسبونسبال” أنه “بعد 6 سنوات من الحرب في اليمن، هناك أمل ضئيل في أن تهزم أي قوة داخل اليمن أو خارجه الحوثيين عسكرياً. ومثل حركة طالبان في أفغانستان، يمكن للحوثيين وحدهم هزيمة الحوثيين. وفي مرحلة ما في المستقبل القريب، سيتعين على الحوثيين التحول من القتال الحربي إلى الحكم الحقيقي وتقديم الخدمات والفرص الاقتصادية والأمن لأولئك اليمنيين الذين يعيشون تحت سيطرتهم. وإذا فشلوا في تحقيق ذلك، وهو أمر مرجح، فإن مهاراتهم العسكرية لن تنقذهم”.
استند هذا الرهان بالطبع إلى شحة الموارد، ولذلك استماتت الولايات المتحدة الأمريكية في إبقاء خطوط الاشتباك ثابتة ومنع الوصول إلى موطن الثروة في مأرب، ويتناسب هذا مع إعلان بايدن، في بداية توليه إدارة البيت الأبيض، مساعيه لخفض التصعيد في اليمن، قاصدا الوصول إلى حالة اللاحرب واللاسلم، التي تثبت خطوط الاشتباك العسكرية وتحيد السعودية عن دائرة النار.
إن مثل هذه الحالة بنظر أمريكا ستبقى ثورة 21 أيلول/ سبتمبر، التي يعيش في ظلها 80% من سكان اليمن، أمام امتحان تقديم الخدمات، رغم شحة مواردها، بينما لن يكون هناك مواجهة عسكرية تحتشد خلالها الجماهير إلى جانب الثورة، في مقابل حراك أمريكي سياسي وإعلامي ودبلوماسي لتأجيج الشارع.
يقول المستشار الأمريكي البارز مايكل نايتس، في مقال على موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى نشر بتاريخ 1 نيسان/ أبريل 2021، إن على واشنطن أن تتخذ أيضا عددا من الخطوات حتى لا يكون هناك “حزب الله على الحدود الجنوبية للسعودية”، ومن بينها العقوبات وتشويه قيادات الأنصار بالعمل استخباراتيا للحديث عن تورطهم بالفساد، إضافة إلى تعزيز السيطرة على البحر الأحمر.
في ظل انحصار الثورة في المناطق التي تريدها واشنطن وفرض العقوبات وتوقف الحرب بحدود الاشتباك الحالية، ستزداد العقبات أمام الثورة، وسيكون من الصعوبة الوفاء بالخدمات الأساسية، مع تحريض إعلامي وتحرك استخباراتي.
وبالعودة إلى التكتيكات التي اتخذتها واشنطن للوصول إلى هذه المرحلة نجد التالي:
أولاً: محاولة احتلال الحديدة غربي البحر الأحمر.
ثانياً: محاولة تحييد الحديدة وجعلها تحت السيطرة الأممية عبر التفسير العسكري لاتفاق السويد رغم طابعه الإنساني.
ثالثاً: الاستماتة الكبيرة إلى جانب المرتزقة في معركة مأرب، والتي بلغت بحسب المعلومات إلى المشاركة الأمريكية المباشرة بالطيران المتطور الذي لا يتواجد في أسراب السعودية والإمارات.
رابعاً: الوقوف خلف معركة شبوة جنوبي اليمن.
خامساً: العقوبات التي فرضت على شخصيات ومؤسسات، وإن كانت هذه المؤسسات لا تتبع الأنصار إلا أن الاستهداف طال كل ما في هذه المنطقة.
سادساً: تشديد الحصار وربط الجانب الإنساني بالجانب العسكري. وفي هذا السياق قال المبعوث الأمريكي ليندركينغ في لقاء مع قناة “الجزيرة” في أيار/ مايو 2021، إن اليمنيين لن يجدوا موانئ أو مطارات مفتوحة إذا لم يتم الموافقة على المبادرة الأمريكية لخفض التصعيد.
سابعاً: محاولات أن تتحول الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار دون المضي في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، ودون إنهاء العدوان والحصار والاحتلال ومعالجة الأضرار. وفي هذا السياق أعلن المتحدث باسم أمين عام الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن الأمم المتحدة تسعى إلى أن تكون الهدنة دائمة.
بالتأكيد، تعتبر الهدنة هي آخر محاولة يسعى الأمريكي من خلالها لتحقيق أهدافه؛ غير أن هذا سيفشل أمام ثبات القيادة السياسية والثورية على خطوط حمراء للحل السياسي تتمثل في ما أعلنه قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي مرارا وآخر ذلك في خطاب اليوم الوطني للصمود من شروط للحل السياسي هي إيقاف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال ودفع التعويضات، وأن أي محاولات التفافية ستجعل العدو يندم.