رغم الخطورة الكبيرة التي تمثلها صفقة القرن على القضية الفلسطينية، حيث يسعى رعاتها والمشاركون فيها إلى تكريس وجود الاحتلال الاسرائيلي على الأرض الفلسطينية كدولة وشعب بديلين عن الشعب الفلسطيني الذي رست جذوره في تلك الأرض “قبل ميلاد الزمان وقبل تفتح الحقب”، وما يمثل ذلك من تجاوز لكل الأعراف والمواثيق الإنسانية والدولية ومن اعتداء على الكرامة والسيادة العربيتين . إلا أن الخطر لا يقف فقط عند فلسطين.
صفقة القرن هي مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعه شمعون بيريز في تسعينات القرن الماضي، وفيه تتحول اسرائيل من كيان احتلال إلى دولة هيمنة وبموجبه يتم تدويل ممرات الملاحة المائية وإقامة مشاريع اقتصادية مشتركة على شاطئي البحر الأحمر .
يقول بيريز في كتابه “الشرق الأوسط الجديد”: لا بد من سلام في المنطقة وتشكيل كيان في مواجهة الخطر الإيراني”، ويشير في الصفحة 90 من هذا الكتاب إلى أن السلام يبدأ بإنشاء شرق أوسط جديد وأن هذا الشرق لابد أن يبدأ بتنفيذ مشاريع مشتركة على البحر الأحمر ..
هل تتذكرون مؤتمر وارسو لمواجهة الخطر الإيراني!
ألا يتفق هذا مع مشروع نيوم الذي أعلنت عنه السعودية كمدينة اقتصادية على ضفتي البحر الأحمر تمتد من السعودية إلى مصر والأردن وصولا إلى خليج العقبة وجزر إيلات؟!
ألم تقم مصر بمنح جزيرتي تيران وصنافير للمملكة السعودية لكي تتمكن من مد مشروع نيوم إلى صحراء سيناء ولهذا الغرض باعت للسعودية 1000 كم2 من أرض هذه الصحراء؟!
تعالوا لننظر ماذا قال وزير الدفاع الاسرائيلي الأسبق “موشيه يعلون” في مؤتمر صحفي في هذا الشأن .. يقول يعلون:
“المملكة العربية السعودية أعطت تأكيدات مكتوبة على حرية العبور في مضيق تيران، وقد تم تسليم وثيقة التزام المملكة العربية السعودية إلى “إسرائيل”، بما يتوافق مع ما تم الاتفاق عليه بين مصر و”إسرائيل” في اتفاقية السلام لعام 1979، ووفق الاتفاق يعتبر مضيقا تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية مفتوحة للإبحار والطيران الحر”(المصدر : نون بوست-هآرتس)
عودة إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد
يقول بيريز: “يمكن لنا أن نبدأ في نقطة البحر الاحمر، فقد تغيرت شطآن البحر الأحمر مع الزمن وأصبحت مصر والسودان واريتريا تقع على احد الجوانب فيما تقع اسرائيل والاردن والسعودية على الجانب الاخر وهذه البلدان تجمعها مصلحة مشتركة، ويمكن القول إنه لم يعد هناك اسباب للنزاع، فأثيوبيا من بعد نظام منجستو واريتريا المستقلة حديثا تريدان اقامة علاقات سلمية مع جيرانهما بما في ذلك اسرائيل، في حين أن مصر وقعت بالفعل اتفاقية سلام مع اسرائيل، اما الاردن والسعودية واليمن فتريد تأمين حرية الملاحة والصيد وحقوق الطيران”.
هذا هو ما يجري حرفياً
تتذكرون قيام السعودية أواخر العام الماضي برعاية اتفاق تصالح بين أثيوبيا وارتريا، ثم إعلانها لاحقا إنشاء كيان دول البحر الأحمر وخليج عدن، فيما لا يزال الحديث جاريا عن مؤتمر اقتصادي في البحرين بمشاركة اسرائيلية.
كانت اسرائيل قد اعتمدت في أواخر القرن الماضي على سياسة شد الأطراف، فرغم وجود علاقات بينها وبين أنظمة في الوطن العربي إلا أنها كانت تعتبر أنها وسط بيئة معادية وأنها وإن كسبت الأنظمة العربية فإن الشعوب تعاديها، لذلك أقامت في التسعينات تحالفاً عسكرياً مع تركيا وطوَّرت علاقتها مع ارتيريا وسيطرت بواسطة الأخيرة على جزيرة حنيش اليمنية، لكن هذه الاستراتيجية كانت استراتيجية مرحلية ريثما يتم تدجين الوعي العربي وتطبيعه لتنفيذ الاستراتيجية الاسرائيلية الأساسية لاسرائيل التي سيتحقق بها مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وبالفعل استطاعت اسرائيل أن تجعل القضية الفلسطينية قضية ثانوية، بل هامشية ، واستطاعت عبر أدوات إعلامية وثقافية عربية للأسف أن تصنع لدى فئة واسعة وهماً أننا أمام ثنائيين إما اسرائيل وإما إيران، وصولا إلى محاولة خلق وتكريس صورة أن اسرائيل حمامة سلام وأنها ليست خطرة وأن الفلسطينيين المشردين في مخيمات اللاجئين في العالم هم متطفلون.
اليمن في طليعة المستهدفين من صفقة القرن
كما هو واضح من أسس إنشاء الشرق الأوسط الجديد (صفقة القرن) فإن اليمن هدف أساسي لتنفيذ المشروع ولا يمكن نجاحه بغيرها..لذلك ما إن أطاحت ثورة 21 سبتمبر بالحكومة العميلة حتى بدأ العدوان على اليمن لإعادة هذه الحكومة.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو في اليوم الثالث من العدوان على اليمن: إن ” حركة أنصار الله ترتبط بإيران وإن سيطرتها على اليمن خطر على البشرية كلها”
وأضاف:”أذرع إيران في الشرق الأوسط تشن حملة واسعة لاحتلال اليمن في محاولة للسيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي الذي يمكن له التأثير على التجارة العالمية وتصدير النفط للعالم.”
عمليات تحالف العدوان ركزت بشكل واسع على الساحل اليمني وعلى احتلال الجزر، ليس لأنه جغرافيا أقل صعوبة من الجغرافية الجبلية، فنشر قوات وإنشاء قواعد عسكرية في جزر وموانئ لم يصل إليها أنصار الله وظلت بعيدة عن الحرب، والإصرار على احتلال الحديدة رغم التكلفة الهائلة البشرية والمادية المترتبة على ذلك ومشاركة اسرائيل بشكل مباشر في عمليات الهجوم الفاشلة على المدينة المطلة على ساحل البحر الأحمر، وفي موازاة ذلك إدراج اليمن عبر حكومة هادي العميلة في كيان البحر الأحمر.. كل ذلك يؤكد لنا بشكل قطعي أن اليمن في طليعة المستهدفين من صفقة القرن.