حالةٌ من الترقّب تهيمن على المشهد في اليمن بانتظار ما سترسو عليه استشارات الوفد السعودي المفاوض مع صنّاعِ القرارِ في الرياض على مدى ما يقارب أسبوعين أعقبت جولة رمضان التي استمرت هي الأخرى قرابة أسبوع كامل.
لم يعلن أي من الطرفين نتائج تلك المفاوضات حتى اللحظة بل اكتفيا بتوصيف الأجواء بـ “الإيجابية”، وأنه تم الاتفاق على بعض القضايا، وتأجيل أخرى بناء على طلب الفريق السعودي التشاور حولها مع قيادته، فيما أكدت القيادة في صنعاء أنها تمسكت بـ “حقوق الشعب اليمني وعلى رأسها رفع الحصار برّاً وجوّاً وبحراً، وصرف المرتبات”، خلال مفاوضات رمضان مع السعودية.
وعلى ما يبدو أن مفاوضات رمضان لم تنجح ولم تفشل، على أمل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بعد إجازة العيد وفق ما أعلنه الرئيس مهدي المشاط لأعضاء المجلس السياسي الأعلى في اجتماعه بزملائه في المجلس منتصف نيسان/أبريل.
بعد ذلك بثلاثة أيام، وتحديداً في 18 نيسان/أبريل الجاري، كشفت وثائق مسرّبة عن البنتاغون أن السعوديين كانوا على استعداد إلى حد كبير للتخلي عن وكلائهم من أجل إنهاء الحرب المستنزفة في اليمن، وأن الولايات المتحدة شعرت بالقلق وأرسلت تيم ليندركينغ، (المبعوث الأميركي إلى اليمن) إلى الرياض في 11 نيسان/أبريل لتقويض أي اتفاق سلام، وتذكير القادة السعوديين برغبة الولايات المتحدة في الاستمرار في دعم وكلائهم في الحرب.
في المقابل، حذر الرئيس المشاط في خطابه عشية عيد الفطر المبارك 20 نيسان/أبريل، من المساعي الأميركية لإفشال أي صيغة للتفاهم السعودي-اليمني، لكون الأميركي “يرى في استمرار العدوان مصلحة تعود عليه بالمنفعة المالية والسياسية والعسكرية وتنفذ مخططاته للهيمنة”، منبّهاً النظام السعودي إلى أنه ليس من مصلحته، ولا من مصلحة المنطقة الرضوخ للأميركي، وأن “المساعي الأميركية لن تحقق لدول العدوان أي مصلحة بل ستجلب عليها المزيد من الدمار، والاستنزاف”.
تحذيرات المشاط جاءت بعد يومين من تسريبات البنتاغون، وعقب نشاط أميركي مكثف بالاتصالات والزيارات إلى الرياض تزامن مع وجود الوفد السعودي في صنعاء، بهدف إعاقة جهود الوسيط العماني لوقف الحرب، والاستجابة لمطالب الشعب اليمني العادلة، وتبديد ما أشيع من أجواء إيجابية وتفاؤلية بحلحلة الملفات في اليمن والمنطقة، وقد أشرنا إلى ذلك في مقال سابق بعنوان: كيف تسعى واشنطن لإفشال مباحثات صنعاء؟
ثمة مخاوف جدية قد تؤثر سلباً في مقاربات السعودية التي تبدو ظاهرياً مختلفة عن المقاربة الأميركية، فالسعودية على ما يبدو تريد الخروج من المستنقع اليمني ولكن من دون تحمّل العواقب، ومن دون تحمّل التبعات، بل تريد أن تعفي نفسها من المسؤولية وتقدم نفسها كوسيط، فيما أميركا تسيّس الملفات الإنسانية، وترى المرتبات على سبيل المثال شرطاً تعجيزيّاً كما وصفه مبعوث الرئيس الأميركي إلى اليمن تيم ليندر كينغ سابقاً، كما أن واشنطن لا تريد سحب القوات الأجنبية من اليمن ولا رفع الحصار عنه ولا تريد له النهوض والوحدة، وتريد أن تجعل منه بؤرة استنزاف للأموال السعودية لاستمرار صفقات التسليح، وتجميد الأزمة مؤقتاً بانتظار ما ستؤول إليه الأزمة في أوكرانيا.
وبموازاة هذه المخاوف، هناك مؤشرات سلبية لا توحي بجدية الرياض في السلام الحقيقي، ومن تلك المؤشرات استمرار قصفها اليومي وجرائمها في الحدود، واللعب بالوقت والمراوغة، وتقديم الوعود الفارغة، والأهم من ذلك، ما كشفه معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام عن ارتفاع الإنفاق العسكري السعودي خلال العام المنصرم، ليصل إلى ما يقدر بـ 75.0 مليار دولار أي ما يشكل 7.4% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي، علماً أن 78% من وارداتها من الأسلحة أميركية، وهذا مؤشر غير مطمئن بالنسبة إلى اليمنيين.
وفي كل الأحوال، لن نفرط في التشاؤم، كما لم نفرط من قبل في التفاؤل، وسننتظر في أي جولة مفاوضات قادمة، ما إذا كانت واشنطن استطاعت فعلاً التأثير على الرياض أم لا؟، وما إذا كانت الرياض تحررت من التبعية أم لا؟ وأغلب الظن أن الأخيرة وإن توجهت شرقاً فإنها لم تتحرر بعد من التبعية المزمنة لواشنطن.