•ومضة
إضافة إلى تأملاتي المتواضعة في الوقوف أمام قصائد كتبها شعراء ولدوا من رحم البارود والمعاناة ،في هذه المرحلة الحاسمة التي عُرِض فيها اليمن لعدوان أمريكي سعودي غاشم، وحصار خانق ،وتآمر كوني من الأمم المتحدة على قتل هذا الشعب الذي رفض الوصاية والخنوع، كانت هذه المرحلة بالفعل مصنعا لشعراء بحجمها، سواء في الشعر الفصيح أو الشعبي، وتعتبر معظم القصائد التي ولدت في هذه المرحلة بالذات هي قصائد لها أرواح تعيش بيننا ،وستظل تعيش مع الأجيال القادمة فقد كتب لها الصّمْدَ والخلود ، إذ تمتلك القدرة أيضا على أن تتشكل جبهة مشتعلة تقف في وجه الغزو والاحتلال وتتغلب عليه في المواجهة والنزال وقد انتصرت بالفعل جبهة الشعر في هذه المرحلة . و تصدت للحروب بمختلف آلاتها سواء الحروب العسكرية أو الناعمة أو الاقتصادية...الخ
مايجعل هذه القصائد لها أرواح لاتموت هو أنها ولدت من تحت الركام ،وتشكلت من أشلاء الأطفال، والنساء، ودموع أُمّات الشهداء، والثكالى، وأنين الجرحى، وسقيت قوافيها بعبق الدماء الطاهرة، فولدت بهذه الهيئة الصلابة وهذا الخلود على ثرى هذا البلد الطاهر الذي وقف شامخا وتصدى بقوة الله لقوى الاحتلال والاستعمار والضلال والهيمنة ..
نعم .. تغيرت الظروف وجاءت بِمَناخ مختلف جدا هيأ بيئة خصبة جديدة لإنتاج مثل هذه النماذج الأدبية الممانعة لقوى الاستكبار والهيمنة الأمريكية في المنطقة ، فكان مِن مَن ساهموا في رفد هذه الجبهات بجيش كبير من الحروف المقاتلة كُثُر ..وفي هذا المقام أذكر أحدهم وهو الشاعر الباليستي بسام شانع وسأتوقف معكم على عجالة عند قصيدة (حروب الافواه) تلك الرائعة الفريدة التي تضاف إلى رصيد روائعه الأدبية و التاريخية ...
• برز الشعر كلُّهُ للغزو كلّه!
قصيدة (حروب الافواه) للشاعر الباليستي هي من ضمن قصائد باليستية عديدة للشاعر بسام شانع وهو غني عن التعريف ،ولذلك سأتحدث هنا عن القصيدة وليس عن الشاعر متطرقا إلى بعض ما اتضح لي من أبيات هذه القصيدة البديعة إذ أن كل بيت فيها من وجهة نظري ليس بيتا شعرياً فقط بل قل مدينة بحد ذاته! ،ويحتاج المتأمل أن يقف عندها سنة كاملة أو أكثر ليتأمل أسوارها المنيعة وقلاعها وحصونها.!!. أما كل صورة في القصيدة فهي عبارة عن مقطع فيديو يفوق أفلام (الآكشن) والمغامرات وليست صورة عادية! ، ولهذا لا أبالغ إن قلت إن الوقوف على عتبات هذه القصيدة أطول من العمر الافتراضي للناقد المتأمل أو المتذوق!!، وسأكتفي بالتَجوال فيها ما شئت وسأترك بقيتها للمتأملين الآخرين ليدخلوها من أبواب متفرقة، ويعودوا منها بماشاؤوا !
لله الاعمــــــــال ولكــــــل امرئٍ مــــا نوى
والكـــذب مااقصــر حباله والسنتهم طوال
وما انطوى ما انتشـر وما انتشــر ماانطوىٰ
والكيـد كيــد النسا والقهــــر قهــــر الرجال
وللقتــــــال التفــــــاف وللحـــــوار التـــوا
مـادام والحــرب خـدعة فالســـلام احتيال!
يستهل الشاعر النص ببداية جميلة بحيث يبدأ النص بالارتباط بالله سبحانه وتعالى وأجمل مافي الأمر هو الصياغة الواضحة من البداية والنابعة من ثقافة دينية وقرآنية وهذا الحضور يمنح النص دائماً الجمال والروعة ويشد المتلقي للاستماع إليه حتى النهاية، فتجد الشاعر استخدم مفردات من القرآن الكريم والحديث النبوي والمثل الشعبي مثل ( لله الاعمال -نوى - الكذب مااقصر حباله- كيد النسا - قهر الرجال- الحرب خدعة ...الخ)
وهذا الاستناد الذي جاء في مكانه دليل على ثقافة الشاعر وتمكنه، أما اختياره للبحر الشعري كان اختيارا موفقاً جدا و هناك موسيقى تتناسب مع جو النص بالإضافة إلى اختيار القافية التي كان موفقا فيها أيضا للغاية و يتناسق الشطر مع العجز ، وتفنن الشاعر في المد الذي ينتهي به كل بيت (طوال -رجال - احتيال..الخ ) وهذا منح النص نَفَسَاً ينسجم مع تماهي الموسيقى في تكوين جو مختلف لا يمل مهما أعدت قراءة القصيدة..
ثم يتطرق في الأبيات التالية عن المقارنة بين الحرب الناعمة والحرب العسكرية فيقول:
كـــل المــواقع مواقــع حرب بيـــــن القوى
ســوا مواقـــع تواصــل او مواقــــــع قتال
وكـــل جانب وله في كــــل موقــــــــع لوا
وكـــل جانب مفعِّل كــــل مــــن في مجال
فنلاحظ استخدامه مفردة (المواقع-مواقع) ويشير إلى خطورتها سواء كانت حرب في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام والشبكة العنكبوتية، أو العسكرية في جبهات القتال
وقدّم الحرب الناعمة بقوله (سوا مواقع تواصل) في إشارة إلى أن الحرب الناعمة أخطر من الحرب القتالية العسكرية وهذا من ما يميز الشاعر في دقته عند الكتابة..
وحروب الافــواه والفوهــــات في مستوى
والغــزو فكـــــري وبــــــــرّي والنزال.. النزال
ومواجهه في خطــــــــــوط النار والاستوا
ومواجهه في خطـــــــــوط النت والاتصال
و العـــــــالم الافتراضـــي والحقيقــي سوا
ولا انتصــــــــر لا في الواقع ولا في الخيال
في الابيات اعلاه نلاحظ مفردتي (الافواه -الفوهات)وهذا تضاد جميل و(فكري_بري) أيضا (خطوط النار- خطوط النت ) و ( الافتراضي والحقيقي.. الواقع..الخيال) كلها مفردات متضادة تدل على المقارنة وعلى هذا النسق يستمر في الأبيات مسترسلا ملتزما بالوحدة الموضوعية للنص فيقول:
بيّــــــاعة الارض فاقـــــــوا بايعـــات الهوى
والشعب يغــزا تحـــرر قبــــل يغــزا احتلال
وجبهة الوعي في الــــواد المقــــدس طوى
واغلب نعال التحالف ضــــــد خلــــع النعال
ما يبلــغ الرشد بعـــض النـــاس يبلــغ غوى
ولا اهتــدى مـــن غواته يهتـــــدي لا ضلال
تابــع هــوا كــل مـا تعـــــوي زوابــــع عوى
فيها و مـــن ويــن ما هبــــت له الريح مال
ومــــن نشـر له نشـر ومـــــن طوى له طوى
يمسي على ما يرى يصبـــــح على ما يقال
يسـرح مع من سـرح يضوي مع من ضوى
شمال والا يميـــــــن .. يميـــــــن والا شمال
فنلاحظ التصوير المكثف في الأبيات السابقة واستخدام مفردات قرآنية مثل (الوادي المقدس طوى - الرشد-اهتدى- ضلال-نشر- طوى) وأخرى فيها حكمة مثل :
ومــــن نشـر له نشـر ومـــــن طوى له طوى
يمسي على ما يرى يصبـــــح على ما يقال
يسـرح مع من سـرح يضوي مع من ضوى
شمال والا يميـــــــن .. يميـــــــن والا شمال
ويأخذنا الشاعر إلى الحكمة أكثر وأكثر كلما استمر في النص :
بلا قضيـــــة رجـــــــل قالــــــب بلا محتوى
فـــارغ تعبّيــــه وتفضّيـــه مثــــــــل الشوال
والمتأمل يلحظ أبيات أخرى مليئة بالشاعرية والحكمة ثم
يتحدث في البيت التالي عن الحرب الإعلامية حسب مايتضح لي فيقول:
يــا ضجـــة الطبــل مــا هـــزت صلاب النوى
مليـــون غـــــارة ورجتهــــــــا تهـــــز الجبال
والمراد بضجة الطبل إعلام العدو ومايبثه من شائعات وتضليل وكأنه يقول إن كل غارات العدوان الأمريكي السعودي الغاشم لم تستطع حتى أن تهز (صلاب النوى) فمن المستحيل أن تؤثر في هذا الشعب الصامد حملات إعلامية معادية وإشاعات مغرضة وثقافات باطلة وعقائد مغلوطة فقد أصبح يملك المناعة القوية ضد كل أساليب العدوان المقيتة وأصبح واعياً ومحصنا منها وجاهزا للتصدي لها.
ويستمر :
والنـــاس للنــــاس دام النـــاس ماهــم سوى
ومـــن يقــــل لـــك تنـــــــازل لا تقلــــه تعال
•إن من الشعر لحكمة!
ويعود إلى الحكمة بصورة أجمل وأكثر عمقا فينشد:
بعــــــض المراحــــــل مرارتهـــــا مرارة دوا
والوضع مــا يحمــد الواقـــع على كـــل حال
سلــم الهــدن حرب يا حرب السغب والطوى
والمعركة باردة واكثــــــر خطــــــر واشتعال
وما انزوى ما انعــــزل وما انعــــزل ما انزوى
وما وقــــوف الصـــــراع إلا وقــــوف انتقال
مـــن نـــار قطـــــع النســم لا نـار نزع الشوى
نـــار الـــــوغى والغلـــى وبال يخلــــف وبال
ثم يخاطب العدو و المرتزِق بهذا الخطاب الشعري الراقي الذي انفرد به وصولاً إلى العالم بأسره الذي لن يضر شعبنا المظلوم إلا إذى بكل ما يملك من أسلحة فراغية وغيرها من الأسلحة الحديثة :
يـــا ذي خرجتــوا مــــن الملة تشمــــوا هوا
ومـن مساجـــد حرام… إلى مراقــــص حلال
نجــــــد المحـــدث نقلهـــا والمصحـــح روى
كيـــف ابتـــــدت بالتشدد وانتهــت بانحلال
هــــي واسلحتهــــا الفراغية خوى في خوى
وعاصفتهـــــــا هوا…. ومملكتهــــــــا رمال
و كـــل مـــا اوتي العـــالم ومـــا قــــد حوى
مـــا زال ضـــره اذى ..وكــــل مــــؤذي مزال
وكما بدأ القصيدة بأن الأعمال كلها لله سبحانه وتعالى يختمها بأن الأمر والعاقبة والمُلك والكمال لله سبحانه وتعالى، وبأن سر انتصاراتنا في هذه المرحلة وتوفيقنا الذي وصلنا إليه هو الموالاة لله سبحانه وتعالى ورسوله وآل بيته الطيبين الطاهرين ،ولأننا نصرنا الله وصلنا إلى هذه المرحلة المتقدمة من العزة والكرامة والشموخ والنصر بخلاف العدو الذي يوالي الشيطان وأمريكا وإسرائيل فيختم ببيتين رائعين جميلين ويقول:
ماحد على العرش غيــــرك يا عظيم استوى
والامــــر والعاقبــة والمـــــــلك لك والكمال
و ما معاهم ســـوى العالم فقــــــط لا سوى
واحنـا معــــك انت والعــــزة لمولى الجلال
وهذا مرور بسيط متواضع على قصيدة (حروب الافواه) للشاعر الكبير بسام شانع المليئة بالحكمة والصورة والجمال، وليست كتابة تحليلية، ولم أعطِ النص حقه بالفعل كما تحدثت في البداية لعمقه وجماله، إلا أنني حاولت أن أعرج على جوانب بسيطة وقليلة من ما يحويه هذا النص الزاخر بالإبداع والحكمة والروعة والجمال بحسب إمكاناتي المتواضعة قدر الاستطاعة، والمقام لا تكفيه عشرات الصفحات للحديث عن جل تفاصيل القصيدة ، فأرجو أن أكون قد وفقت فيما قصدت أن أتحدث حوله ، وسألقاكم في قراءات أخرى وشعراء آخرين كلما سنحت الفرصة إن شاء الله .
*هايل عزيزي
https://t.me/hailazizi
#إتحاد_الشعراء_والمنشدين