كثيرةٌ هي المواقفُ المخزية والأفعالُ الخيانية بشأن القضية الفلسطينية ومقاومتها الباسلة، التي يخرُجُ بها حُكَّامُ العرب بين فترةٍ وأُخرى أمام شعوبهم –والتي نلتمس لها العذر–؛ إذ لم تنتفض يوماً لترفض هذه الخيانة العظمى بحق أقدس المقدّسات وأشرف المجاهدين؛ لأَنَّ الوقع الأقوى للفعل الرسمي، بغضّ النظر عن شرعية الطبقة الحاكمة من عدمها، يحجب الانتباه عن المواقف المشرِّفة التي دائماً ما تصِرُّ عليها الشعوبُ العربية الحرة، وإن بصمت.
على الضفة الأكثر وضوحاً وإشراقاً توجد حالة عربية استثنائية، متمثلةً بالقائد والشعب اليمني، حَيثُ توحدت النظرة وامتزجت المواقف، والتي عشناها منذ اليوم الأول للمسيرة القرآنية المباركة، حتى لقاء السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، الأخير بممثل حركة الجهاد الإسلامي، المناضل أحمد بركة، وكأن لسان حاله يقول له: إن الأرض التي حضنت خيرة شُبانها وامتصت رحيق شبابهم بشموخ ستُزهر أشجارها وبساتينها الخضراء من جديد عندما يعود أحبابها من بلاد الشتات ويتدفقون كالدم الحار في جسد الأرض الأُم.
هُنا يظل الموقف المبدئي للسيد القائد كما هو للشعب اليمني، هو الموقف الذي يجب أن يبنى عليه المشروع الفلسطيني الجامع، وهو الإيمانُ بالله -سبحانهُ وتعالى-، وبنصره وتأييده، وبعدالة القضية، وأن لا مساومة على الدم الفلسطيني، وأن اتّحاد وتعاضد القوى المقاومة وتنسيقها المُستمرّ هو الركيزة الأَسَاس للوقوف بحزم في وجه آلة القتل الصهيونية الممنهجة وداعميها وحاضنها وراعيها وحارسها والمستفيد منها.
هكذا نقرأها دائماً كُـلّ المواقف اليمنية؛ فتشعر أن لفلسطين أبجدية خَاصَّة في لغة السيد القائد، حمل حروفها؛ حباً ودماً يتدفق في شرايين جسده منذُ الصغر، وما تأكيده على موقف اليمن الثابت والمبدئي إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوّ “الإسرائيلي”، إلا تأكيدٌ لحق شعبٍ حرٍّ ثائرٍ مقاومٍ من شعب قدّم منذ فجر تاريخه كُـلَّ الدعم والنصرة والدماء؛ فداءً للقضية الفلسطينية، ولا يزال في إعدادٍ وتعبئةٍ مُستمرّة لتحقيق “وعد الآخرة”.
وهو ما أكّـده السيد القائد من الاستعداد الدائم؛ لتقديم كُـلّ أنواع الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة الفلسطينية؛ وهذا الأمر ليس من قبيل المبالغة أَو الدعاية أَو مُجَـرّد تصريحات تُنشر في الهواء، بل يؤكّـد أن الأقوال تتبعها الأفعال، ويؤكّـد على وجود شعب وقائد يؤمن بأنّ النضال أول سُلَّمِ العودة وأن الجهاد مفتاح النصر.
هُنا شعبٌ وقائدٌ يقفُ بقوةٍ خلفَ الشعب الفلسطيني ومقاومتِه الأبية ويحفرُ اسمَ كُـلّ شهيد على كُـلِّ مفرق ومدينة وكل ساحة وشارع، شعبٌ وقائدٌ نبضُه من نبض الأقصى المبارك، ونورُ طريقه من زيتون فلسطين المقدَّس، ودمُه ثائرٌ لا يعرفُ السلامَ إلا في أجنحةِ الطيور المرفرفة على شبابيكِ المسجد الأقصى المبارك.